نارٌ تشتعل في أطراف الإقليم… والأردن يرفض أن يكون حطبًا

عرب وعالم, لبنان 17 نيسان, 2025

بينما تتحوّل عواصم عربية إلى ميادين مفتوحة للحروب بالوكالة، وتُستباح سيادات الدول بحجّة المقاومة أو نصرة قضايا “كبرى”، يُعيد الأردن تأكيد معادلة نادرة في هذا الشرق المنكوب: الأمن أولًا، والوطن ليس سلعة، ولا ممرًّا لرسائل النار التي ترسلها أجندات “محور الممانعة” إلى خصومها.

إنّه موقف صلب في زمن المساومات الرخوة، فالمملكة التي حافظت لعقود على استقرارها وسط أمواج متلاطمة، لم تسمح – ولن تسمح – بأن تُستخدم كمنصة لإشعال الفوضى، ولا أن تتحوّل جامعاتها ومساجدها إلى معامل تفخيخ فكري أو مخازن للمتفجرات.
وفي عملية أمنية دقيقة وصادمة في دلالاتها، وجّهت الأجهزة الأردنية صفعة قاسية لمحور العنف والتخريب، وأحبطت ما وصفته الصحافة بـ”المخطط الأخطر” منذ سنوات، في قضية باتت تعرف بـ”شبكة الصواريخ والمسيّرات”.

الخلية الإرهابية: من لبنان إلى الزرقاء… خط إنتاج دموي قيد التشغيل

بحسب مصادر صحيفة “نداء الوطن”، فإنَ السلطات الأردنية تمكنت من تفكيك خلية إرهابية متشدّدة تنتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين غير المرخص، كانت قد شرعت منذ عام 2021 في بناء قدرة عسكرية متقدمة داخل الأردن نفسه.
المشروع: تصنيع صواريخ محلية بمدى يصل إلى 5 كيلومترات، داخل مستودعات سرّية أقيمت في محافظة الزرقاء ومنطقة النقيرة في عمان.
القضية تكشف وجهًا مرعبًا من وجوه التطرف: غرفة محصنة بالخرسانة، باب إسمنتي مموه، عشرات الكيلوغرامات من مواد شديدة الانفجار (TNT ،C4، سيميتكس…)، وهياكل صواريخ شبيهة بصواريخ “غراد” تنتظر فقط التفجير.
وبحسب مصادر “نداء الوطن”، فإنّ الخلية كانت على وشك إنتاج 300 صاروخ، وهي كمية كفيلة بتحويل مدن أردنية إلى أهداف، وبثّ الذعر في بلد يفتخر بنظامه الأمني المتماسك.

لبنان… ساحة تدريب وتخطيط

اللافت في القضية أنّ جذورها لم تكن داخلية فقط. فبحسب ما كشفه المصدر الأردني لـ”نداء الوطن”، خضع اثنان من أبرز عناصر الخلية، عبدالله هشام ومعاذ الغانم، لتدريبات مكثفة داخل الأراضي اللبنانية، على يد مدرّبين محسوبين على “محور الممانعة”، شملت صناعة المتفجرات، تقنيات الطائرات المسيّرة، والتخطيط لعمليات اغتيال واغتيال مضاد.
وبحسب المعلومات، فإن مسؤولًا لبنانيًّا حزبيًّا معروفًا زار الأردن في وقت سابق، وأشرف على عمليات التحضير للصواريخ، في دلالة على عمق التورّط العابر للحدود.
الأخطر من ذلك أن الخلية استخدمت أساليب اتصال حديثة يصعب تعقبها، ما يكشف عن دعم تقني ولوجستي متطوّر، وعن مخطط لا يشبه مخططات “الهواة” التي كانت سائدة في السابق.

الجامعات في مرمى التجنيد: القنبلة الفكرية أولًا

وفي سياق متصل، نقلت “نداء الوطن” عن مصدر أمني أنّ الأجهزة الأردنية كانت قد أحبطت، قبل نحو شهر فقط من تفكيك الخلية، محاولة لاختراق عدد من الجامعات الأردنية عبر أنشطة ثقافية واجتماعية “داعمة لغزّة”، لكنها كانت في الحقيقة واجهات لتجنيد طلاب في أعمال إرهابية.
تمرير الفوضى من بوابة “نصرة فلسطين” ليس جديدًا، لكنه يعود هذه المرة تحت غطاء مموّه دينيًّا وتنظيميًا، ما دفع السلطات الأردنية إلى إعادة تقييم العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة وذراعها السياسي – حزب جبهة العمل الإسلامي.

الإخوان على خط النار: الرسالة وصلت

لم يكن من الممكن فصل الملف الأمني عن الارتدادات السياسية التي تلته. فبعد يوم من إعلان السلطات الأردنية عن اتهام 17 شخصًا في القضية، كشفت صحيفة “الشرق الأوسط” عن نقاشات جارية في الكواليس لإعادة النظر بالعلاقة مع الإخوان المسلمين في الأردن.
وبحسب ما أفادت به مصادر رفيعة المستوى للصحيفة، فإنّ السلطات باتت ترى في استمرار “الازدواجية” بين الجماعة غير المرخصة وحزب جبهة العمل الإسلامي تهديدًا لا يمكن تجاهله، خصوصًا بعد ظهور أدلة على انتساب أعضاء من الخلية الإرهابية للحزب نفسه.
وأشارت المصادر إلى أن المرونة التي تعاملت بها الدولة مع الجماعة، كانت فرصةً لتقنين نشاطها عبر الحزب السياسي، لكن “الفرصة أُهدرت”، وأن التورط في مشروع صواريخ ومسيّرات قد يُفضي ليس فقط إلى حلّ الجماعة، بل إلى مراجعة مصير الحزب نفسه.

التمويل عبر الحدود… والنية كانت القتل

من النقاط المفصلية في التحقيقات، ما نقلته “نداء الوطن” عن أن القيادي إبراهيم محمد – قائد الخلية – نسّق مع عنصر لبناني آخر هو محسن الغانم، لتأمين تحويلات مالية من لبنان، دعمت المشروع التخريبي داخل الأردن. الأموال دخلت بطرق غير شرعية، واشترت آلات ومعدّات، وأسست غرفة عمليات داخل الأراضي الأردنية.
ومع تصنيع النموذج الأول من الصاروخ، حانت “ساعة الصفر”، بحسب تعبير المصدر الأمني، لكنّ المخابرات الأردنية كانت تراقب كل شيء، وأحبطت المخطط في عملية استباقية نوعية.

الإعدام على الطاولة… والدولة لا تهادن

ملف الخلية انتقل إلى محكمة أمن الدولة، حيث يواجه 16 موقوفًا اتهامات ثقيلة: تصنيع متفجرات، حيازة أسلحة، الانتماء لتنظيم غير مرخّص، التخطيط لهجمات إرهابية، والتعاون مع جهات أجنبية.
وبحسب مصادر حقوقية نقلت عنها “نداء الوطن”، فإن العقوبات قد تصل إلى الإعدام، وهو ما يعكس خطورة الملف في عيون الدولة الأردنية.

بين الهاشمية والممانعة… الطريق مسدود

الأردن، الدولة ذات التوازن الدقيق، تُدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن صموده ليس محصّنًا من الرياح التي تهبّ من حدود الإقليم. الهجمة الجديدة لا تأتي عبر الحدود فقط، بل من داخل المجتمع، من داخل الجامعات، ومن على منابر المساجد، ومن خلال اختراقات “نائمة” زُرعت على مهل.
وكشفت مصادر أردنية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» أن هناك «رسالة واضحة لجماعة الإخوان غير المرخصة، وذراعها حزب (جبهة العمل الإسلامي) بضرورة إنهاء الازدواجية، وفكّ الارتباط بينهما». فالمملكة لن تتهاون، لا مع خلايا إرهابية، ولا مع “أصدقاء متواطئين”، ولا مع من يخطّط لزجّها في معارك ليست معاركها. فالاستقرار الأردني ليس قابلًا للتفاوض، والأردن – كما ثبت مرارًا – ليس ساحة تجارب ولا رصيف مرور لمخططات الغير.

من جهة اخرى، أجرى رئيس الجمهورية جوزاف عون اتصالًا هاتفيًا بالعاهل الأردني عبد الله الثاني، للاطلاع منه على نتائج التحقيقات في خلية تصنيع الصواريخ التي تم الكشف عنها في الأردن، وأبدى “كامل استعداده للتنسيق والتعاون بين البلدين”.
رئيس الجمهورية أوعز إلى وزير العدل عادل نصار التنسيق مع نظيره الأردني بشأن التحقيقات وتبادل المعلومات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والقضائية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us