الأساتذة المتعاقدون في الجامعة اللّبنانية: معاناة وقهر وعوز… أين ملفّ التّفرغ؟
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان” :
ينتظر الأساتذة المتعاقدون في الجامعة اللّبنانية قراراً جريئاً من رئيس الجامعة ومجلسها، حول إنجاز ملف التّفرغ لإنهاء معاناة استمرت منذ العام 2014 حتى انفجرت مؤخراً مع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فهل تتحقق المطالب المزمنة التي عجزت عن حلها الحكومات المتعاقبة؟
“هنا لبنان” وقف عند معاناة عددٍ من الأساتذة المتعاقدين واستطلع آراءهم حول التّحدّيات المعيشية في ظلّ الانهيار الاقتصادي والمالي الذي انعكس على أوضاعهم الماديّة.
د.حبيب بدوي أستاذ متعاقد في الجامعة اللّبنانيّة في كليتي الآداب والتّربية منذ العام 2016، يقول: “في هذه الظروف الحالكة والأزمة الإقتصادية الطاحنة لا يتعدّى راتب الأستاذ الجامعي المتعاقد في الجامعة اللبنانية ١١ مليون ليرة في حال كان يملك نصاب السنة المالية (١٧٥ ساعة، ٦٥٠٠٠ للحصة).
ويضيف “حالة من اليأس والاكتئاب تسود أوساط الدكاترة المتعاقدين وسط الأوضاع المأساوية في البلد، والتي تطال شريحتهم بالذات، ومعظمهم يفكّر بالهجرة، أو هجر التعليم للأبد”.
ويشير البدوي إلى أنّه يحاول الصمود والتّأقلم، معتمداً على مصلحة العائلة المتوارثة، ودعم زوجته العاملة، لتتمكن أسرته الصغيرة من الصمود في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية الحرجة التي تمرّ على لبنان.
ويلفت إلى أنّ الحلم الأساسي، والهدف المشترك مع جميع الزملاء المتعاقدين هو “التفرغ” الوظيفي في الجامعة اللبنانية، لتحقيق الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش الكريم، حيث الراتب الثابت يبلغ حوالي ٦ ملايين شهريًا، إضافة إلى منحة الـ٢٠ مليون التي تقرر صرفها للأساتذة المتفرغين والملاك.
ويقول بأسفٍ أن “ملف التفرغ عالق ما بين إدارة الجامعة ووزارة التّربية منذ ما قبل جائحة كورونا، حيث المطلوب رفع ملف متوازن يراعي الشروط الأكاديمية، ولكن للأسف ما زال عالقاً بين الأروقة، وسط صراعات نظام المحاصصة اللّبناني، بينما الأساتذة المتعاقدون من جميع أطياف الشعب اللبناني يدفعون الثمن من عمرهم وجهدهم، وحتى كرامتهم.
ويتمنى من رئيس الجامعة ووزير التربية والتّعليم العالي بتّ الملف بالسّرعة القصوى، وإنصاف المستحقين، لأن الوضع لم يعد يحتمل، ويؤشر للأسوأ.
في المقابل يؤكد الأستاذ المتعاقد في كلية العلوم منذ العام 2014 د.علي عواد أنّ “ملف التّفرغ تأخر كثيراً، كونه مرتبط بالسياسة والمحسوبيّات والطّائفيّة والمذهبيّة التي قضت علينا وعلى مستقبلنا”.
ويشير إلى معاناة الأستاذ الجامعي قائلاً: “ليس لدينا بدل نقل ولا ضمان صحي ولا منح تعليمية ولا استقرار مادي، وكل سنتين نتقاضى أتعابنا على أساس عقد المصالحة الذي يحق للأستاذ من خلاله تغطية نصاب 350 ساعة خلال السّنة”.
وتتراوح ساعة الأستاذ الجامعي بين 65 ألف ليرة للمعيد، فيما يتقاضى الأستاذ المساعد 85 ألفًا للسّاعة، وفي أحسن الأحوال يتقاضى البرفسور 100 ألف ليرة للساعة.
ويتحدث عواد عن “تجربته الشّخصية ومعاناته في الجامعة حيث أنه قضى معظم وقته متنقلاً على الطّرقات في سبيل المهنة”.
ويتابع “وضعنا صعب بسبب الأزمات التي تمرّ على لبنان بما فيها انتشار جائحة كورونا وانهيار العملة الوطنية مقابل الدولار، حيث خسرنا ساعات التّعليم في الجامعة مقابل التّعلم عن بُعد “الأونلاين”.
ويختم حالياً لدينا وعود من رئيس الجامعة ونحاول من خلاله تحريك الملف لإرساله إلى وزير التّربية، الذي بدوره سيرسله إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء كي يسلك مساره الصحيح، كما ووعدنا بتأمين بعض المساعدات من أجل ضمان استمرارية الأستاذ الجامعي إلى حين تفرّغه.
من جهته، يوضح د. أمين إلياس أستاذ متعاقد منذ العام 2015 في كلية التربية أنّ تعب الأستاذ الجامعي يضيع في هوّة اللامبالاة الممنهجة إزاء الجامعة اللبنانيَّة وأساتذتها، لا سيّما المتعاقدين من بينهم، حيث أصبح غدهم في مهبّ الريح.
ويتابع بقوله أن “الأساتذة المتعاقدين مستبعدين بعقد مصالحة الذي لا يحفظ كرامتهم بل يجعلهم مستضعفين، وهم اليوم باتوا في حالة من العوز الشديد، ما اضطرهم للعمل هنا وهناك، وكيفما كان، ولساعات غير معدودة، من أجل توفير الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة لهم ولعائلاتهم”.
ويضيف إلياس” في الجامعة هناك من يظّن نفسه رباً لجامعتنا الوطنية، ويتصرّف بنا وبالمؤسسة الوطنيَّة بسوء إدارة لم تشهد مثيلًا لها الجامعة حتى في خضمّ مرحلة الحروب ما بين 1975 و 1990″.
ويردف “اليوم وبفعل الأزمات تخلو الجامعة شيئًا فشيئًا من كوادرها، ما يشير إلى أنّ مستواها ذاهب إلى الحضيض، ما يؤثر على مستقبل المهنة ومستوى التعليم فيها. وأكثر ما يُبكي هو أن من سيدفع الثمن هم طلاب لبنان المنتمون إلى الطبقات الدنيا والوسطى والذين يطمحون إلى الارتقاء الفكري والعلمي والاجتماعي. إنها ليست فقط أحلامنا التي يتمّ تحطيمها، بل أحلام أجيال لبنان المستقبل”.
ويأمل أن يجد نداء الأساتذة آذاناً صاغية والالتزام بالقضية المحقة لهم وإنصافهم بالتفرّغ.
أمّا د.عماد غرلي الأستاذ الجامعي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الفرع الأول والمنسّق بالعمادة، فيتحدّث عن معاناته أيضاً مع ملف التّفرغ، مشيراً إلى أنّ الملف ليس وليد اللّحظة، إلا أن الاوضاع الاقتصادية المعيشية عمّقت الأزمة ما دفع الأساتذة المتعاقدين إلى التصعيد ورفع الصوت من أجل الاستجابة لمطالبهم.
ويتابع “الأستاذ الجامعي يعيش أوضاعاً صعبة، لذا نأمل أن تكون وعود تحريك ملف التّفرغ صادقة وشفافة لتحسين ظروفنا، كما ونرفض أن يظلم أحدٌ منّا كما حصل في العام 2014”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |