جنبلاط لـ “ici Beyrouth”: “أخشى أن يختفي لبنان”
كتب مارك صيقلي لـ “ici Beyrouth“:
لا يخفي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، هواجسه من التضحية بلبنان مرة أخرى على مذبح المفاوضات النووية، الجارية حالياً، بين طهران والمجتمع الدولي.
في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وحينما كان لبنان لا يزال تحت الوصاية السورية، طرح وليد جنبلاط إشكالية وضع تعريف موحّد للهوية الوطنية في عملية بناء الدولة، بعدما تمّ التخلّي عن ذلك لصالح عملية تصحر سياسي واقتصادي وثقافي تقودها دمشق.
وإشكالية جنبلاط، تؤكد على أنّ البلد عليه أن يختار بين هانوي أو هونغ كونغ، أي بين النموذج القائم على الحرب والجوع أو بين الليبرالية إذ لا يمكن أن يكون كليهما في الوقت نفسه.
منذ ذلك الحين، بدأت أدوار هانوي وهونغ كونغ تتبدّل، فلبنان أخذ يتورط أكثر فأكثر، في الوقت الذي أفسح نظام الأسد فيه الطريق لحزب الله كي يهيمن.
“نحن هانوي إيرانيون، ولسنا فييتناميين أو لبنانيين”، يقول وليد جنبلاط في مقابلة حصرية مع “Ici Beyrouth”، مضيفاً: “لسبب معروف، البلاد اليوم تحت سيطرة وهيمنة إيرانية من خلال حزب الله “.
بالنسبة للزعيم الدرزي، فإن المشكلة الكبرى التي يعاني منها لبنان هي حزب الله، مضيفاً: “لكنّ الكارثة الاقتصادية ترتبط أيضاً بإفلاس النظام اللبناني وفساد الطبقة السياسية، إضافة إلى الاعتماد بالدرجة الأولى على السياحة والمصارف والمطاعم والتي لم تعد تعمل”.
ويعتبر جنبلاط في هذا السياق أنّ “علينا إقامة اقتصاد منتج”.
رسالة جنبلاطية لدول الخليج
لا يوافق الوزير والنائب السابق وليد جنبلاط، على الخطوات التصعيدية التي تقوم بها دول الخليج تجاه الشعب اللبناني بسبب سلوك حزب الله العسكري، وبشكل أعم سلوك إيران في المنطقة، معتبراً أنّه لا يمكن معاقبة الشعب اللبناني بأكمله.
“لا يؤيد جميع اللبنانيين حزب الله”، يقول جنبلاط متأسفاً. ويضيف: “نحن نعاقب بشكل جماعي، هناك خطأ فادح ارتكبه الوزير قرداحي، هذا صحيح ونحن ما زلنا ننتظر استقالته”.
واعتبر جنبلاط أنّ “التخلي عن لبنان يعني تسليمه إلى حزب الله”، واصفاً هذا السلوك بغير المنطقي، ومؤكداً على ضرورة تقديم مساعدات مالية من قبل المجتمع الدولي إلى لبنان في هذه الظروف، وبالأخص إلى الجيش اللبناني الذي تأثر جداً بانخفاض قيمة الليرة.
وتابع جنبلاط: “أود أن يحيي السعوديون تقاليدهم وأن يستأنف (ولي العهد) محمد بن سلمان عادات والده وأعمامه الذين قضوا حياتهم وصيفهم في لبنان وعرفوا بيروت جيداً”.
كلام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يأتي في سياق السياسة السعودية الجديدة، والتي انكفأت عن لبنان، معتبراً أنّ السعودية بذلك تسلّم هذا البلد لإيران.
مسؤولية النظام السوري
وفق جنبلاط، فإنّ تصريح قرداحي ليس السبب الرئيسي لعرقلة عمل الحكومة، موضحاً: “هناك من ربط بين عقد جلسة مجلس الوزراء وبين التحقيق في انفجار مرفأ بيروت”، في إشارة منه إلى حزب الله.
وفي تعليق على هذا الموقف يقول الزعيم الدرزي: “هذا سخيف، وبصرف النظر عن انفجار مرفأ بيروت، فإنّ لبنان قد شهد 36 عملية اغتيال سياسية، ناهيك عن محاولة اغتيال كل من مروان حماده وإلياس المر ومي شدياق. وهذا يرفع العدد إلى 39، ثم هناك الاغتيال الجماعي في 4 آب، وكل هذا مرّ من دون أيّ مذكرة توقيف، باستنثاء واحدة”، ويقصد بذلك جنبلاط الادّعاء على سليم عياش -وهو عضو في حزب الله- من قبل المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رفيق الحريري.
وشدّد جنبلاط على ضرورة متابعة التحقيقات في انفجار 4 آب، معلقاً: “بعد الانفجار اتهمت علناً النظام السوري بجلب نيترات الأمونيوم إلى لبنان، والتي كان يستخدمها في قصف البلدات والقرى السورية بطائرات الهيليكوبتر التابعة له”.
وعن سبب إحضار النظام السوري النيترات إلى بيروت، يقول جنبلاط: “في ذلك الوقت، كانت منطقة حمص لا تزال مشتعلة، لذا كان محور بيروت – دمشق أكثر أماناً، وقد عقد بعد ذلك اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأسلحة الكيماوية السورية”.
“عون يجب أن يرحل”
وفي تعليق على تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون لقناة “الجزيرة”، والحديث عن تمديد ولايته في حال طلب منه مجلس النواب ذلك، قال جنبلاط: “المجلس لن يطلب ذلك بتاتاً، سيكون هناك دائما أغلبية أو أقلية كي تقول “لا”. كنا 29 نائباً في السابق وقلنا “لا” لتمديد ولاية إميل لحود في العام 2004. وبالتالي لا يمكن لعون أن يعارض رغبتنا في نهاية عهده، وعليه أن يرحل”.
واعتبر جنبلاط أنّ تمديد ولاية عون سيكون تصرفاً غير دستوري، مشيراً إلى أنّ طموح عون السياسي الحقيقي هو تسليم السلطة بطريقة غير دستورية إلى صهره جبران باسيل على الرغم من كل الصعاب، والعقبات.
“لا أعتقد أنه يستطيع فعل ذلك”، يقول جنبلاط، معتبراً أنّ مجلس النواب سيعارض إضافة إلى الشارع اللبناني الذي سئم من هذه السلطة.
وردًّا على سؤال حول احتمال عدم إجراء الانتخابات التشريعية، قال الزعيم الدرزي: “الانتخابات ستجري، لكن التيار الوطني الحر يريد تعديل القانون الحالي. وهذا يعني أنه سيتعين علينا العودة إلى القانون القديم وأن المغتربين سيتمكنون فقط من انتخاب ستة نواب يمثلون ست قارات. وهنا لا أدري كيف سنقسمهم. الأمر سخيف ببساطة. والهدف الحقيقي هو الحد من فعالية تصويت المغتربين”.
أمّا عمّا يتردّد حول إمكانية حصول حدث أمني محتمل يمنع إجراء الانتخابات، علّق جنبلاط: “أتمنى ألا يحدث ذلك، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا ننسى أنّ هذا البلد لم تتوقف فيه دورة الاغتيالات، وبالتالي من المستحيل معرفة ماذا سيحدث، كل شيء ممكن”، متأملاً أنّ ينظر المجلس الدستوري إلى التعديل بمزيد من الروية، وأن يتجنبه خاصة فيما يتعلق بتصويت المغتربين!
من جنبلاط.. إلى القوات والحريري
وعند سؤاله عن التحالفات السياسية التي ستعقد في الانتخابات التشريعية المقبلة، أوضح جنبلاط أنه “من المستحيل عقد تحالفات مع الثورة، فهم يعتبروننا من رموز الطبقة السياسية القديمة”، مضيفاً: “لا مشكلة في ذلك. المهم أن يحدث التغيير وأن يتمكن الناس من التصويت”.
وتابع جنبلاط: “الوضع السياسي يبدو جيداً بالنسبة للقوات اللبنانية، وأتمنى في هذا السياق أن يعود سعد الحريري إلى لبنان كي يبقى لاعباً أساسياً في هذا الخط السيادي، فالحريري لا يزال يمثل غالبية السنة. وغيابه سينعكس على هذه الطائفة التي ستنقسم وقد يدفعهم بعض الأباطرة نحو سوريا”.
وعن علاقته بحزب الله قال جنبلاط: “نحن دائماً نتحاور، لكن هذا الحوار يتحوّل أحياناً إلى “حوار طرشان”، وفي أحيان أخرى يكون ضرورة فالحزب في النهاية موجود”، وانطلاقاً من وجهة النظر نفسها، يتحدث جنبلاط عن “ضرورة الحوار مع رئيس الجمهورية ومع التيار الوطني الحر الذي يمثل قاعدة مهمة داخل مسيحيي الجبل، كما مع القوات اللبنانية وممثلي الثورة والمستقلين”، معلقاً: “لا يمكن تجاهل كل هؤلاء”.
مخاطر مفاوضات فيينا
وردًّا على سؤال حول المفاوضات النووية الجارية في فيينا بين طهران والمجتمع الدولي ومخاطر حدوث انزلاق أمني واسع في حال فشلها، قال جنبلاط: “لا أخشى أي حرب. أخشى فقط أن يختفي لبنان في مفاوضات فيينا. وهنا يجب تذكير المحاورين الكبار في فيينا، روب مالي وآخرين، بأن هناك دائمًا لبنان، وهذا البلد يستحق أن يؤخذ بعين الاعتبار، ولا يمكن استعماله كطعم، والتضحية به على مذبح المصالح الإقليمية والدولية”.
واعتبر جنبلاط أنّ “وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر سلّم لبنان للسوريين منذ زمن بعيد، ولكن هذه المرة سيكون الوضع أسوأ”.
ومع كل هذا لا يستسلم جنبلاط، هو متفائل بحزم، موضحاً: “لقد علمتني تجربة العام 2005، بعد اغتيال رفيق الحريري، أن أكون متفائلاً على الدوام. كانت لدينا آمال كبيرة في ذلك الوقت. لقد ناضلنا -ونجحنا إلى حد ما- ثم بعد ذلك تغيرت الظروف. لذلك يجب أن نتماسك! هذه رسالة للشباب. حتى الشباب الذين غادروا البلاد يمكنهم مساعدتنا من خلال تشكيل مجموعات من الضغط”.
وختم جنبلاط المقابلة بتهنئة فريق Ici Beyrouth على هذه المبادرة لخلق رأي عام جديد، قائلاً: “إنكم تبذلون جهودًا كبيرة لإعطاء الأمل للشباب.”