عام دراسي “أعرج”
كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان” :
لا يشبه العام الدراسي ٢٠٢١-٢٠٢٢ غيره من الأعوام الدراسية، فعلى الرغم أن العامين الماضيين كانا عامين ثقيلين على الطلاب والأهل والأساتذة بسبب انتشار فيروس كورونا والتعليم عن بعد، إلا أن عوامل عدة اجتمعت لتجعل استمرارية التدريس هذا العام صعباً وربما مستحيلًا.
بين عودة ارتفاع أعداد إصابات كورونا، والأزمات الاقتصادية والمعيشية وغلاء أسعار المحروقات واعتصام الأساتذة وتلويح المعلمين بالمقاطعة، تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: مصيرٌ مجهولٌ للعام الدراسي.
في المدارس الخاصة، التي لجأت معظمها إلى زيادة الأقساط المدرسية، يكاد يكون شبح فيروس كورونا هو الهاجس الأكبر. بعض المدارس استبقت قرار وزير التربية عباس الحلبي بتمديد عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، بإعلان التدريس، منذ الآن، عن بعد بعدما تزايدت أعداد الإصابات بفيروس كورونا بين الطلاب والأساتذة، وأصبح التعامل التقليدي مع هذه الارتفاعات، كإغلاق الصفوف أو توقيف الباصات المدرسية، غير مُجدٍ.
مصادر وزارة التربية تؤكد أن لا قرارًا واضحًا حتى الساعة بشأن العودة إلى التعليم الحضوري بعد انتهاء العطلة الطويلة، أو الاستمرار بالتعليم عن بُعد، وكلّ الأمور مرهونة بتطورات الواقع الطبي والاستشفائي وأعداد الإصابات بفيروس كورونا وأيّ سيناريو قد يحصل بعد الاحتفال بالأعياد وخاصّة إذا كان سيتكرر سيناريو العام الماضي .
أما المدارس الرسمية، فمشاكلها حدث ولا حرج.
فبعد إعلان تأجيل بداية العام الدراسي لعدة مرات، انطلق العام الدراسي بعد وعودٍ أغدقها وزير التربية على الأساتذة في التعليم الرسمي، لكن سرعان ما عاد الأساتذة المتعاقدون وأعلنوا الإضراب مجددًّا بعدما تبين لهم أن تحقيق هذه المطالب، كمضاعفة أجر الساعة، ما زال يحتاج إلى إجراءات لتنفيذه عبر قانون أو مرسوم، وأن الأعمال الإدارية والممكننة تعيق تنفيذ مطالب أخرى كدفع الحوافز ومبلغ الـ90 دولارًا.
فأعلن بعض الأساتذة المتعاقدين الإضراب بدءًا من صباح الإثنين 6 كانون الأول بسب عجزهم عن الوصول إلى المدارس ولأن “جيوبهم فرغت وباتوا تحت الحضيض بعد شهرين من التدريس ببلاش”، كما قالوا في بيان إعلان الإضراب.
أما نسبة الالتزام بالإضراب فتفاوتت بين مدرسة وأخرى، ومنطقة وأخرى: أساتذة الملاك استمروا بالتدريس، وانقسم الأساتذة المتعاقدون حول الالتزام وعدمه. فبات المشهد في المدارس الرسمية كالآتي: مدارس تُدرِّس يومين في الأسبوع بسبب غياب الأساتذة، أخرى ألغت بعض المواد، فيما عملت بعضها على التدريس نصف نهار.
تقول رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي نسرين شاهين في حديث لموقع “هنا لبنان” أن الإضرابات تتصاعد في المدارس والمحافظات وأنه حتى الساعة لا قرار بالعودة عن الإضراب رغم كل الإيجابية التي يلمسها الأساتذة من وزير التربية، وتكشف عن اجتماع حصل ظهر الثلاثاء بين الأساتذة مندوبي بيروت مع وزير التربية حيث عرضوا لمطالبهم ووعدهم الوزير عباس الحلبي بالعمل مع البنك الدولي على توزيع مبلغ الـ 90 $ بسرعة دون الحاجة لانتظار التدقيق، علماً أن البنك الدولي يضع شروطاً قاسية على آلية توزيع الدعم على الأساتذة.
وتضيف شاهين أن مطالب الأساتذة المتعاقدين تتخطى ذلك للمطالبة بتنفيذ مطلب العقد الكامل الذي امتنع وزير التربية السابق طارق المجذوب عن تنفيذه والذي من شأنه احتساب ساعات التدريس للمتعاقدين بغض النظر عن التعطيل القسري خلال العطل أو الإضرابات.
الأساتذة ينتظرون التماس بوادر إيجابية قبل العودة إلى التدريس وإن كانوا يؤكدون النية الحسنة لدى الوزير، لكنهم يجزمون أن لا عودة إلى الصفوف حالياً قبل الحصول على المطالب، وأنّ كرة الإضرابات ستكبر وتتوسع في كل لبنان.
في شهر آب ٢٠٢١، أشار تقرير صادر عن مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت إلى أنّ “الأزمة الاقتصادية العميقة تلقي بثقلها الضخم على النظام التعليمي في لبنان، وتؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ على قدرة الأسر على الاستثمار في تعليم أبنائها وبناتها، كما كان الحال قبل عام 2019 ومع استفحال الأزمة الاقتصادية بات الانتقال إلى المدرسة الرسمية الملاذ الطبيعيَّ مع وقوع أكثر من نصف اللبنانيين في الفقر وعدم قدرة الأكثرية الساحقة من الأُسَر على تأمين أقساط المدارس الخاصة”.
وعندما ضاقت السبل أمام الأهالي، باتوا أمام خيارين أحلاهما مرّ.
إما اللجوء الى المدرسة الرسمية وسط التخبط الحاصل والإضرابات المستمرة، وعدم قدرة بعض هذه المدارس على مجاراة التعليم عن بعد في المدارس الخاصة، أو تحمل أعباء الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة والتي باتت أكثر من قدرتهم.
عضو لجنة التربية النيابية النائب إدكار طرابلسي ينفي لموقع “هنا لبنان” المعلومات عن التسرب المدرسي من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية، مؤكدًا أنه بعد التخبط الذي حصل العامين الماضيين في المدارس الرسمية في التعليم عن بعد، فضل الأهالي إعادة أولادهم إلى المدارس الخاصة، “فاللبناني مستعد لتقديم كلّ التضحيات في سبيل تأمين أفضل مستوى تعليمي لأبنائه”، ويشير إلى أن الاستثمار في التعليم يبقى الاستثمار الأربح للبنان الذي كانت جامعاته ومدارسه مقصدًا للعرب والأجانب حتى خلال الحرب الأهلية.
ويؤكد العمل في المجلس النيابي على إقرار سلسلة اقتراحات قوانين، في حال لو أقرت فمن شأنها المحافظة على المدرسة الرسمية أولًا، وعلى المستوى التعليمي ثانياً، ويشير في هذا المجال إلى قانون الـ500 مليار ليرة لبنانية الذي أقره مجلس النواب والذي يقدم 150 مليار ليرة لبنانية كدعم للمدرسة الرسمية.
وللأسف فإن مصير مئات الآف الطلاب اللبنانيين هذا العام مجهولٌ حتى الساعة وتحدده اجتماعات مطولة وموسعة لوزارة التربية مع الوزارات المعنية والنقابات والروابط التعليمية، ومع الجهات الدولية المانحة، وإن كان الكثيرون يرون أنها تأخرت باجترار الحلول في انتظار التسويات المالية والإجرائية التي جعلت من هذا العام الدراسي عامًا أعرجًا. وفي كل الأحوال فإن التلميذ يدفع الثمن ومعه النظام التربوي والمستوى التعليمي في لبنان.
يدرك الجميع أن تداعيات انهيار التعليم ستنجم عنها أجيال ضائعة ولن يكون بالإمكان التعويض عن الخسائر الحاصلة قبل مُضيِّ عقود من الزمن، وعلى المعنيين أن يعوا أن لإنقاذ القطاع التعليمي في لبنان أهميةً استراتيجيةً بجسامة الحفاظ على الاستقرار الأمني.
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |