“تجار العملة الصّعبة” يصولون ويجولون في الشّوارع والأجهزة الأمنيّة والرّقابيّة غائبة
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان” :
“بدك دولار ريس؟ بدك لبناني مدام؟”، عشرات من صرافي السّوق الموازية ينتشرون في شوارع الضاحيّة الجنوبيّة بشكلٍ علنيٍّ كما في مناطق النويري، سليم سلام، عائشة بكار، طريق الجديدة وغيرها، يكمشون باليد اليمنى رزمة من العملة اللّبنانية وباليد اليسرى العملة الصّعبة، وينتظرون منفردين مرور الزّبائن الذين يستسهلون الاستعانة بخدماتهم غير الشرعيّة، وأحياناً ينقضّون على السّيارات عارضين عملاتهم.
في هذه المناطق يعمل صرافو السّوق الموازية بلا حسيبٍ أو رقيب، لدرجة أنه حتى الآن لم يتمّ ردعهم واقتيادهم إلى التّحقيق لمعرفة من يشغلهم ويقف وراءهم، فالقوى الأمنية تَعلم وتحرص على إبقاء اللّعب هادئاً، وكل المداهمات والتّوقيفات ما هي إلا شكليّة لإعماء العيون وتذكير “تجار الدّولار” باللّعب من تحت الطاولة.
فهل ستعتقل القوى الأمنيّة كل الصرّافين غير الشّرعيين؟ وكيف يؤثر عمل “تجار العملة الصعبة” على محلات الصّيرفة؟
مصدرٌ من نقابة الصّرافين يقول لـ “هنا لبنان”: صرافو السّوق السّوداء المنتشرون في شوارع لبنان بطريقة علنية ووقحة يضاربون على عمل الصرافين الشّرعيين، إذ يعملون دون ضوابط ورقابة، اعتراضنا على آفة انتشارهم قديم جديد، ولجأنا كثيراً إلى الجهات الأمنية والرقابيّة لمعالجة المشكلة، إلا أننا لم نشهد أي اهتمام جدّي بالقضية”.
ويتابع “لا شك أنّ هذه الظاهرة ليست بالحضاريّة لاسيّما وأنّ عمليات الصّيرفة لا بد أن تكون منظمة وبمكان شرعي، كما ويجب أن تخضع للعديد من الضوابط وقوانين مصرف لبنان وقوانين النّقد والتسليف وهيئة التّحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال، وأن تتمّ في مكان لائق مع تقديم تصاريح بشأن الضرائب”.
ويلفت المصدر إلى أنّ عمليّة شراء الدّولارات من هؤلاء الأشخاص محفوفة بالمخاطر، لأنها قد تكون مزوّرة وبالتالي لا يستطيع الشاري معرفة مكان البائع أو ملاحقته.
ويؤكد المصدر على أنّ انتشار صرافي السّوق السّوداء يشجّع اللّبنانيين على ممارسة مهنة الصّيرفة في الشوارع، ما يؤدّي إلى المضاربة على اللّيرة اللّبنانية.
كما يشير إلى عملية بيع وشراء الدولار عبر “غروبات” على الواتساب، والتي أصبحت بمثابة محلات صيرفة متنقلة لكن “سوداء”، لها قواعد وأصول وقوانين ومصطلحات خاصة بها، تتحكم بعمليات البيع والشّراء، ويتحرك من خلالها سوق العملة الخضراء، ما بين عرض وطلب.
أمنياً، يقول مصدر أمني أنّ القوى الأمنية تكثف دورياتها في كل المناطق والشوارع، وداهمت مؤخراً العديد من الأماكن المشبوهة بعد تلقي الإخباريات عنها، كما تمّ توقيف عدد من تجار السّوق الموازية المنتشرين على الطرقات.
وتمنى المصدر على جميع المواطنين عدم التّعامل مع هؤلاء التّجار والتبليغ عنهم فور مشاهدتهم.
اقتصادياً، يوضح الخبير الاقتصادي لويس حبيقة أنّ لبنان يمرّ بفوضى في الأسواق النّقدية، وظاهرة انتشار صرافي السّوق الموازية لا تزيد سوى 10% على هذه الفوضى، ورغم الارتفاع المتمادي لسعر الدولار في السّوق الموازية، يواصل عددٌ من “تُجّار العملة الخضراء” نشاطهم في الملأ من دون الالتفات إلى أي عواقب، إلا أنّ هؤلاء لا يشكلون عبئاً على الاقتصاد اللّبناني بل يسهّلون عمل المواطن، ليبقى الخوف من عمليّات الغش والاحتيال التي قد يمارسونها، والتّلاعب بأسعار الصرف والمتاجرة بالدّولارات المزورة.
ويتابع، لا نستطيع أن نخفي حاجة النّاس لهذا النّوع من الصّرافين، فهم يلبّون خدمات يطلبها المواطن، ولكن من المفترض أن يتمّ ردعهم من قبل الجهات المعنيّة لتنظيم المهنة ومنع المضاربات.
كما يدعو حبيقة جميع المواطنين إلى عدم قصد الصرافين غير الشرعيين لتلاشي وجودهم.
قانونيّاً، يشير المحامي زكريا الغول إلى أنّه في ظل الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد منذ أكثر من عامين، ومع تدني قيمة العملة الوطنية وإرتفاع الطلب على شراء الدولار الأمريكي، ظهر إلى العلن موضوع إنتشار الصرافين غير الشرعيين، الذين ساهموا بشكل كبير في الفوضى العارمة التي تمر بها الأسواق المالية، شأنهم شأن التّطبيقات على الهواتف الذّكية التي نشطت دون حسيب أو رقيب .
ويتابع الغول إنّ تنظيم مهنة الصّيرفة يخضع للقانون رقم 347 الصادر عام 2001، حيث تنص المادة الأولى منه على ما يلي : “يحظر على غير المصارف والمؤسسات الماليّة ومؤسسات الوساطة المالية المسجلة لدى مصرف لبنان امتهان أعمال الصّرافة إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من مصرف لبنان وفقا لأحكام هذا القانون.”
ويضيف، كما تنصّ المادّة الخامسة من القانون على الآتي: “على مؤسسات الصّرافة أن تطلب تسجيلها لدى مصرف لبنان، تقبل طلبات التّسجيل المستوفية الشّروط القانونيّة، ينشر مصرف لبنان لائحة مؤسسات الصّرافة المسجلة وفقا للأحكام المنصوص عليها بالنّسبة للمصارف في المادة 136 من قانون النّقد والتّسليف، لا يمكن لأي مؤسسة لم تسجل في لائحة مؤسسات الصّرافة أن تمارس مهنة الصّرافة”.
ويردف، تنص المادة العشرين من القانون أيضاً على التّالي: “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة حدها الأقصى عشرة أمثال الحدّ الأدنى السنوي للأجر أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام أي من المواد 1 و2 و 3 و 5 و 10 و 19 من هذا القانون.”
ويلفت الغول إلى أنّ نصوص قانون تنظيم مهنة الصّرافة واضحة في الإشارة إلى من يحق لهم ممارسة مهنة الصيرفة، كما أشار القانون أيضاً إلى العقوبات على المخالفين لتنفيذ مضمون مواده.
إن ما نشهده حالياً من تفلت وتوسع في أعمال ممارسة مهنة الصيرفة مرده إلى الفوضى العارمة التي تمر بها البلاد على كافة الأصعدة، وتخلف الأجهزة الأمنية عن القيام بواجباتها المنصوص عليها قانوناً، وقد يكون من أسباب التفلت هو الحماية التي يحظى بها العديد من العاملين في الشأن الصيرفي دون تراخيص قانونيّة صادرة عن مصرف لبنان من بعض الأحزاب النّافذة، ما يجعل تطبيق القانون متعذراً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |