البابا فرنسيس “يوبّخ” الإتحاد الأوروبي بسبب “وثيقة الميلاد”: “لا للإستعمار الآيديولوجي”
كتب طوني عطية لـ”هنا لبنان”:
بين الفاتيكان والإتحاد الأوروبي تاريخ عميق وجدلي في التأثيرات الحضارية والثقافية والسياسية المتبادلة، فاتسمت علاقتهما بين مدّ وجزر، وحذر بابوي في بعض الملفات الإنسانية والدينية الشائكة بين الطرفين، حيث أطلق البابا فرنسيس خلال زيارته التاريخية إلى دولتي قبرص واليونان التي امتدت يوم الخميس الفائت حتى صباح الإثنين، انتقادات لاذعة تجاه “الإتحاد”، متعلقة بملف المهاجرين وعدم التنسيق بين الحكومات.
في مؤتمره الصحفي من على متن طائرة العودة من أثينا إلى روما، وجّه “الحبر الأعظم”، “توبيخاً كبيراً” للإتحاد الأوروبي على خلفية “وثيقة عيد الميلاد”، التي اقترحتها مسؤولة “المفوضية الأوروبية للمساواة” هيلينا دالي، تدعو فيها إلى استخدام مصطلح “فترة الأعياد”، بدلاً من عطلة “عيد ميلاد المسيح”، أو “الميلاد المجيد”، تحت شعار “المساواة والشمولية”، الأمر الذي أدى إلى موجة اعتراضات أوروبية وفاتيكانية، حيث وصف البابا “المقترح” إياه “بالمفارقة التاريخية”.
لم يقف البابا عند هذا الحدّ، فأشار إلى أن “هناك الكثير من الأمبراطوريات والديكتاتوريات حاولت القيام بذلك أمثال نابليون، كما النازية والفاشية والشيوعية، التي اعتمدت أسلوب تقطير العلمانية. هذا شيء لم ينجح عبر التاريخ”.
تابع: “يجب على الاتحاد الأوروبي، وأعتقد أنّ هذا أمر ضروري، أن يتمثّل بالآباء المؤسسين، الذين كانوا مُثُلاً عليا في الوحدة والعظمة”. إشارة منه إلى “عرّاب” الإتحاد الأوروبي، ووزير خارجية فرنسا روبرت شومان، الذي عُرف بالتزامه المسيحي، وأعلنته الكنيسة الكاثوليكية مكرّماً، والإعتراف “بفضائله البطولية” في سعيه إلى تأسيس الإتحاد وانتشال أوروبا من شرذمتها وأحقادها جراء الحربين العالميتين.
ورأى أنه “يجب الحرص على عدم فتح الطريق أمام استعمار إيديولوجي، لأن ذلك يمكن أن يقسم البلدان ويسبّب فشل الاتحاد الأوروبي الذي يجب أن يحترم كل دولة كما هي منظّمة مع تنوّعها وعدم الرغبة في توحيدها”.
وختم البابا: “يأتون أحياناً ويطرحون مشاريع مثل هذه ولا يعرفون ماذا يفعلون، لا أعرف ما الذي يتبادر إلى الذهن، لكل بلد خصوصياته، واحذروا من أن تكونوا عربات للاستعمار الأيديولوجي. هذا هو السبب في أن وثيقة عيد الميلاد مفارقة تاريخية”.
في هذا الاطار، يشرح الأب الدكتور باسم الراعي (الحائز على شهادة دكتوراه في الفلسفة من جامعة مونستر في ألمانيا)، وأستاذ الجامعة اللبنانية، في اتصال مع “هنا لبنان”، خلفيات الوثيقة الأوروبية المقترحة، قائلاً “إن جدلية الهوية في الاتحاد الأوروبي قديمة وتخضع لصراع التيارات الفكرية والسياسية، وقد برزت في محطات مفصلية في مسار الإتحاد، كالذي حصل في العام 2000 عندما تمحور النقاش بين الفرنسيين والهولنديين الرافضين لذكر اسم الله والجذور المسيحية لأوروبا في دستورها الإتحادي من جهة، وبين المطالبين بعدم التنكر للهوية الدينية والثقافية التاريخية من جهة أخرى، وكانت المفاجأة الكبرى أن غالبية المواطنين الأوروبيين قد رفضوا في الإستفتاء آنذاك، التنكّر لجذور أوروبا الدينية”.
في هذا السياق، يقول الراعي، إن “التيّار العلماني المتشدّد (الدستوري) يمعن في دفع الإتحاد نحو حياديته القصوى وشطب أي مظاهر للهوية الدينية ورموزها على مستوى الدستور (الأوروبي)، ظنًّا منه أن هذه الإجراءات قد تقطع الطريق مستقبلاً، على أيّ محاولات للجماعات الدينية الأخرى كالإسلامية مثلاً من المطالبة في ذكر أعيادها دستورياً، أسوة بأعياد المسيحيين كالميلاد والفصح”.
يضيف “أن هذا التيار، يعتقد أنه في سياساته هذه، قد يدفع في اتجاه تمديد عمر السلام الأوروبي الذي يشهد تحولات ديموغرافية وثقافية قد تشكل خطراً مجتمعياً على وحدة الإتحاد”.
في المقابل، يشير الأب الراعي إلى “بروز تيارات يمينية متطرفّة ذهب بعضها، في ردود فعله إلى المطالبة بارتفاع الحدود الوطنية من جديد داخل الإتحاد، وبالتالي عودة الهويات”.
في الختام، يرى “أن مسألة الهوية في أوروبا وطمس جذورها الدينية لا تتمّ عبر نصوص دستورية واقتراحات قانونية، لأنه عندما تدخل إلى المجتمعات عناصر غريبة ثقافياً واجتماعياً، سيؤدّي ذلك حتماً إلى وعي الهوية المجتمعية، لأنه إزاء الآخر يسأل الإنسان نفسه، الفرد كما الجماعة: من أنا؟”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ما في دولارات للقمح”… الأمن الغذائي أمام كارثة حقيقية وهذه هي الحلول! | في عيد مار مارون.. أين هم الموارنة اليوم؟! | العونيّون… من الفنيقيين إلى البعثيين؟ |