لبنان… والتدخل الدولي الإنساني!
كتب أنطوني الغبيرة لـ”هنا لبنان”:
مساراتٌ كثيرةٌ خاضها المواطن اللّبناني منذ استقلال لبنان حوّرت مبادئ أساسيّة من حياته، وشكّلت بداية جديدة بعد نهاياتٍ تعيسةٍ عاشها ذاك المواطن من حروبٍ وصراعاتٍ ونزاعات في لبنان. لبنان اليوم يُحتضر، ومقوّمات الدولة الثلاثة تنزف؛
الأرض تعاني من عدم استقرار إقليميّ على حدودها الجنوبيّة ولا نعرف متى تبدأ الحرب السياسيّة-العسكريّة، المخالفة لجميع القرارات الدوليّة حامية الحدود اللّبنانيّة؛ أمّا الشعب فيعاني من إبادة جماعيّة على جميع الأصعدة ولم يعد يستطيع المقاومة لأنّه يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ بينما السلطة السياسيّة على كوكبٍ أشبه بالجنّة فبعد أن نهشت موارد الدولة، وأعلنت الاستسلام مُستغربةً الوضع السيء الذي يعيشه المواطن.
وها نحن اليوم في أكبر فوضى بتاريخ لبنان على الأكيد؛ وعلى الأرجح أكبر فوضى يعاني منها بلد عربيّ حمل الديمقراطيّة في نظامه فشوّهتها سلطته السياسيّة وأخسرته النظام ومحبّة الشعب.
10452 كلم مربّع مساحة صغيرة لبلدٍ وقّع على أهمّ وأعظم المواثيق الدوليّة العالميّة، كشرعة حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتّحدة، هذه المنظّمة التي تهدف إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين وترعى حقوق الدول، وتسعى من خلال الفصلين السادس والسابع إمّا لحلّ النزاعات بالطرق السلميّة أو لاستخدام القوة العسكريّة لوقف الحرب مع احترام مبدأ عدم التدخّل إلّا بحالات استثنائيّة.
ولكن يغفل عن منظمّة الأمم المتّحدة التدخل الواضح لأسباب إنسانيّة في حالات السِلم لمساعدة شعبٍ جرّده حكّامه من حقوقه فأصبح يبحث عن أي وسيلة للدفاع عن نفسه؛ في زمن تبنّي المنظمة نفسها مبادئ الديمقراطيّة وحقوق الإنسان منذ تسعينيات القرن الماضي.
ما هو المانع من توصيف تجويع المواطنين وتفقيرهم وسلب أبسط حقوقهم، بجرائم ضدّ الإنسانيّة؟
إنهيار اقتصاديّ ينعكس على حياة اللّبنانيّ مع عدم استطاعته شراء المواد الغذائيّة ناهيك عن السلع الثانويّة؛ الفقر في لبنان وصل إلى 80% لغاية اليوم بحسب اليونيسف! والكارثة قادمة في ظلّ سعر صرف الدولار الأميركي الذي قد يصل إلى أكثر من 30000 ألف ليرة بين لحظةٍ وأخرى وقد أصبح البلد الثالث عالمياً من حيث التضخّم. لا رعاية صحيّة في لبنان مع معلومات عن عدم استقبال المستشفيات الرسميّة للمرضى مع بداية العام 2022 وحالات الفوضى في الضمان الإجتماعي؛ لذا قد تكون البطاقة الدوائيّة حلًّا للأزمة الصحيّة بدلاً من البطاقة التمويليّة التي يعلّق عليها الشعب اللّبناني آماله ليستطيع تأمين جزء من قوته.
وقد وصل الفقر إلى مرحلة لم يعد يستطع الأهل إرسال أولادهم إلى المدرسة وحتى عدم استطاعتهم تسجيلهم في المدارس الخاصة؛ ليصل الأمر اليوم إلى زيادة أقساط بعض المدارس الخاصة من قِبل الإدارة بعد الوعود الكاذبة لدعم هذه المدارس من قبل الدولة. وهنا تكمن الأزمة الفعلية من جهة لا قدرة للمدارس الرسميّة على استقبال هذا العدد من الطلّاب ومن جهة أخرى ونحن على مشارف انتهاء النصف الأول من العام الدراسي، كيف سيستطيع الأهل تحمّل العبء الماديّ مع زيادة الأقساط!
وهنا نكرّر سؤالنا للمجتمع الدولي، ألا تُعتبر هذه الأفعال جرائم ضدّ الإنسانيّة؟
بوقتٍ أصبح المستور بالخلافات السياسيّة مكشوفاً وحالات الكباش تظهر إلى العَلن؛ فلا اجتماعات للحكومة وتلويح بالأفق حول استقالتها. والكباش بين القضاء والحصانات السياسيّة حول تحقيقات انفجار المرفأ بهزّ الرأي العام الذي يريد الحقيقة كما هي غير مُبالٍ بالمحسوبيات السياسيّة. والرئيس الفرنسيّ تارةً يتحمّس للمفاوضات ويقوم بمساعٍ حميدة لحلّ الخلافات وطوراً تخفّ عزيمته!
أين أصبحت العقوبات الأوروبيّة التي تقرّ على أفعال ضدّ الإرهاب وجرائم ضدّ الإنسانيّة والمعاملة اللاإنسانيّة وفق نظام العقوبات EUGHRSR ! والتي تكون سببًا للتخفيف من حدّة الأزمة اللّبنانيّة وتشكّل إنذارًا للطبقة السياسيّة.
هل نحن بلبنان بحاجة إلى تدخّل دولي، بعد الإبادة الجماعيّة التي نعيشها والتي تهدّد مصير وأمن شعب بأكمله؟ ما هو مصير العقوبات الأوروبيّة ولماذا لم تُنفّذ بشكل واضح، أم إنّنا نعيش الأزمة بسبب قرارات خارجيّة تسعى إلى تفكيك البلد؟
فهل ستكون السنة المقبلة بداية النهاية لما نعيشه في لبنان؟!