النساء في بلدنا بخطر.. العنف إلى ارتفاع والضحايا يلتزمن الصمت!
كتبت بشرى الوجه لـ”هنا لبنان”:
“قريباً رح إحكي شخصياً عن تجربتي بالعنف الأسري، فما حدا يتفاجأ، حياتي مش وردية، وبكفي خجل وخوف من حكي الناس، يلي لازم يخجل عنجد هو الظالم”، كانت هذه تدوينة الأستاذة الجامعية في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، هانية فقيه، على موقع “فيسبوك”، قبل أن تتحدّث أمام الرأي العام بجرأة وشجاعة عن العنف المنزليّ الذي عاشته طوال أربع سنوات ونصف مع زوجها المنتج اللبناني، يوسف دندش.
ودندش هو الرجل الذي انتشرت صورة له مع الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب في أوّل إطلالة لها بعد حلقها لشعرها، بعد طلاقها من المغنّي حسام حبيب، بسبب تعذيبه لها كما صرّحت شيرين.
الأستاذة الجامعية التي لديها العديد من المؤلفات القانونية والأبحاث والمشاركات الاعلامية، لم ترَ طفليها منذ أكثر من ثلاثة أشهر ولا تعرف عنهما شيئاً رغم صدور قرار قضائي يقضي بذلك.
المستفز في هذه القصّة، أنّ دندش، الرجل المعنِّف لزوجته، ظهر مع شيرين في صورة الرجل الداعم، فيما هو في باطنه “معنّف”، وحظي ظهوره هذا باهتمام الكثير من الناشطين.
فقيه، هي حالة، ترادفها حالات لأمّهات معنّفات في لبنان، ومن بينهنّ السيّدة زينب التي سردت لـ “هنا لبنان” قصّتها، بغصة ودمعة، فتقول: “خسرت نفسي وابني، خسرت كل شي”.
تضيف زينب، وهي معلّمة للغة الإنكليزية: “تزوّجت منذ ثلاث سنوات بعد قصّة حب عمرها سنتين، وللأسف الرجل يختلف بعد الزواج، إذ أصبح عنيفاً، وتدرّج العنف من معنوي ونفسي إلى لفظي، وصولًا إلى العنف الجسدي”.
“برأيك، لماذا يتغيّر الرجل بعد الزواج ويُعنّف امرأة أحبّها؟”، تجيب زينب: “ببساطة، المجتمع هو السبب، تفكير وكلام الناس أقوى من الحب، فالرجل إن تعاطى مع زوجته بودّ وحب، يسخر منه محيطه ولا يعتبره “رجلًا” لأنّ الرجل -بحسب رأيهم- هو الذي يدير زوجته كما يشاء، لتجد المرأة نفسها في النهاية، بلا قرار ولا كرامة ولا حتى وجود”.
أما عن موقف عائلتها، فتؤكد زيتب: “لجأت إليهم منذ “البهدلة” الأولى و”الكف” الأوّل، وكان كلامهم الدائم: طولي بالك كل الرجال هيك وكل النسوان بتعاني”.
وفيما تدعو زينب الأهالي إلى دعم بناتهم، تتابع بأسى وحزن: “أنا خسرت ابني وحرمت من رؤيته بعدما تنازلت عن حضانته، مقابل طلاقي الذي لم أحصل عليه بعد، كما تنازلت عن شقّتي التي تعبت لشرائها وعن كامل حقوقي المادّية”.
زينب التي حرمت من رؤية ابنها في المدرسة “سرّاً”، بعدما نقله الأب منها، توجّه نصيحة لكل امرأة معنفة، فتقول لها: “انتفضي على واقعك والجأي إلى الجمعيات المعنيّة أو أي جهة باستطاعتها مساعدتك، وإياكِ والاستسلام إلى العنف”.
أرقام صادمة
قضية فقيه وواقع زينب يشرّعان الباب مجدداً على العنف ضد النساء في لبنان، لاسيّما وأنّ الأرقام ارتفعت مؤخراً بشكل مخيف، إذ بلغ عدد الشكاوى التي وردت إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي على الخط الساخن المخصص للعنف الأسري، منذ بداية العام حتى تشرين الثاني 1184، بينها 677 للتبليغ عن تعنيف زوجي، فيما بلغت 1056 من هذه الشكاوى عن عنف جسدي، فيما تلقّى الخط الساخن للمساعدة بجميع أنواع العنف الخاص بالتجمع النسائي الديمقراطي اللبناني (RDfL)، 2843 اتصالًا، بينها 501 حالة عنف جسدي للعام 2021.
في السياق نفسه كشفت دراسة نشرتها منظمة “أبعاد” الشهر الماضي ارتفاع نسبة العنف ضد النساء، وأشارت الدراسة إلى عدم لجوء المعنفات إلى التبليغ.
الدراسة التي شملت 1800 إمرأة وفتاة ما بين عمر 18 و55 سنة من مختلف الجنسيات والمناطق، أشارت إلى 12.7 في المئة من هؤلاء تعرضن لنوع من أنواع العنف هذا العام، و9.8 في المئة تعرضن للعنف المنزلي.
وأوضحت الدراسة أنّ 96 بالمئة من الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للعنف المنزلي لم يبلّغن أحداً، و11.1 بالمئة فقط أجبن بأنهن في حال تعرضهن للعنف قد يتصلن بالخط الساخن لقوى الأمن الداخلي 1745.
وفي تعليق على هذه الأقام وعلى صمت المعنّفات، تقول مشرفة إدارة الحالات في منظمة أبعاد ليلى علي حمدان لـ”هنا لبنان”: “النساء في بعض الظروف يكنّ مجبرات ومرغمات على الصمت، مع العلم أنّ العنف مشكلة خطيرة وحقيقية تعرّض حياة النساء للقتل بالإضافة إلى حياة أطفالهن”.
وتشير حمدان إلى أنّ “هناك اعتبارات متعددة تأخذها السيدة عندما تقرر الإفصاح لأن الإفصاح يتطلب شجاعة كبيرة، ودعمًا وخطة مدروسة تضمن حماية النساء وأمانهن”.
وتعزو حمدان أسباب تزايد العنف اليوم ضد المرأة إلى “عدم وجود عقوبات مشددة على من يمارس بل على العكس هناك دائماً تبريرات بأسماء مختلفة، أحياناً بإسم الدين وأحياناً بإسم الشرف وأحياناً بإسم العيب والعادات والتقاليد السامة”.
وتضيف: “لا نستطيع أن نعزو إزدياد حالات العنف ضد النساء إلى ظرف أو حالة إستثنائية لأن العنف ضد النساء موجود وبنسب عالية قبل الأزمات وبعدها، لكن اليوم وضع لبنان يتجه إلى مزيد من التأزم وإلى إنهيارات ستتعمق بحسب ما تظهر الأرقام، وهذا سيؤدي حكماً إلى ارتفاع معدلات العنف والجريمة والتوتر الأمني”.
ما الحل إذن؟
تختصر حمدان الحل بـ “قوانين عادلة وحازمة، خطط استراتيجية قابلة للتطبيق، وقبول الجهات المعنية بالحلول التي تطرحها الجمعيات والمنظمات الحقوقية التي تحمل رؤيا استراتيجية قادرة على وضع قوانين وسياسات حمائية تضمن أمان النساء والفتيات”.
وفي الختام تتوّجه حمدان للمرأة المعنّفة بالقول: “آمني أن التغيير ممكن وابدأي وبادري لخطوات أولية لأنّ إيقاف العنف ضروري عبر طلب المساعدة أو التبليغ، ولأجل أمان أولادك بلغي، لأن الأولاد يجب أن يروا أمهم قوية لأنها القدوة لهم”.
قانون الحماية.. قانون عاجز؟
كان البرلمان اللبناني قد أقر تعديلات في كانون الأول 2020 على قانون “حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري”، بعد مضي 6 سنوات على إقراره في 2014، وذلك بناءً على اقتراحات قدمتها وزارة العدل، ومنظمة “كفى” الحقوقية والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في عام 2018، بغية توفير حماية أوسع لضحايا العنف الأسري.
ومع ذلك، رأى حقوقيون أن القانون ما زال عاجزًا عن تأمين شبكة أمان فعّالة للنساء والأطفال، وهذا ما تُظهره نتائج دراسة “أبعاد”.
وفي هذا السياق، تتحفّظ محامية ومسؤولة الوحدة القانونية في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، منال ماجد على بعض النقاط التي كانت تحتاج إلى تعديلات في القانون، “منها عبارة حماية المرأة “أثناء” الحياة الزوجية، فكان من الأفضل ذكر مصطلح “أثناء وبعد” الحياة الزوجية أيضًا، لأنّ كثيرًا من النساء يُعنفن من أزواجهن حتّى بعد الإنفصال نتيجة الخلاف على حضانة الأطفال والطلاق والمماطلة في المحاكم الدينية، وهذا ما يجعلنا نواجه صعوبات كثيرة في مثل هكذا حالات”.
وبالنسبة لقرار الحماية، فتعتبره ماجد في حديث لـ “هنا لبنان”، “ناقصًا”، لأنّه “مثلًا عندما يصدر المدعي العام في المخفر قرارًا يقضي بعدم التعرّض للسيّدة المعنّفة لمدة 48 ساعة، من يحميها بعد مرور هذه المدّة؟ هذا بالإضافة إلى عدم تخصيص أماكن تحمي المعنّفات، وإن وجدت فهي مؤقتة لمدة أيام فقط”.
رغم ذلك، لا تنكر ماجد أهميّة القانون “فهذه القوانين تساعدنا كجمعيات ومحامين في نقاط عدة”.
..”لأ وقتها”
وبالنسبة لأثر الوضع الإقتصادي الصعب على العنف المنزلي، تقول ماجد: “هذا العام ظهرت لدينا حالات جديدة صنّفناها ضمن خانة “العنف الاقتصادي”، إذ تلقّينا العديد من الحالات التي يتمّ الضغط فيها على السيدة أو الفتاة من قبل الزوج أو الأب أو الابن بهدف مكاسب ماليّة، فمثلًا لجأت إلينا فتاة عُنفت من قبل أخيها من أجل التنازل عن ميراثها بعد وفاة الوالد”.
أمّا المشكلة الكبرى هي “أنه في ظل الأوضاع القاسية، نجد كثرًا يقولون أن هذه القضايا “مش وقتها” إن كان من جهة النساء أو من جهة بعض القضاة”، فتقول ماجد إنّ “بعض القضاة لا يتعاطون بمسؤولية مع قضايا النساء، فهي بالنسبة لهم “مش وقتها” في الوقت الحالي وهناك قضايا أهم. أما بعض السيدات، فيتعرضن للتعنيف لكنهن يخفن ويتراجعن ويعتبرن أنّه يجب تأجيل المطالبة بحقوقهن لأنّ الوقت الحالي، وفق رؤيتهن، يفرض عليهن تأمين العمل وضرورات الحياة للأبناء، فلا تتشكي المرأة إلا عندما تصل لمرحلة قد تموت فيها”.
“لأ وقتها”، هذا ما يجب أن تعرفه النساء والجميع”، تُشدّد ماجد وتقول: “يجب أن تبقى التوعية مستمرة وعلى السيدة أن تعرف حقوقها وتعرف إلى من تلجأ في حال تعرضت للعنف وتتصل على الخطوط الساخنة للجمعيات المختصة أو خط قوى الامن الداخلي (1745)، فللأسف هناك سيدات ما زالت تجهل هذه الخطوط وتجهل إمكانية لجوئها إلى أقرب المخفر وأنّه عليها طلب طبيب شرعي”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
نبيل مملوك.. صحافي تحت تهمة “الرأي المخالف” | استهداف الجيش وقائده في غير محلّه.. “اتهامات سطحية لدواعٍ سياسية” | إسرائيل “تنهي الحياة” في القرى الحدودية.. ما الهدف من هذا التدمير الممنهج؟ |