ليلة سقوط المجلس الدستوري!
كتبت ريمان ضو لـ”هنا لبنان”:
باعتراف رئيسه، سقط المجلس الدستوري في امتحان بت الطعن المقدم من تكتل “لبنان القوي” حول التعديلات بقانون الانتخابات النيابية، وذلك بعدما عجز عن التوصل إلى قرار، لتعذر تأمين تصويت أكثرية سبعة أعضاء من أصل عشرة.
وعليه، بعد سبع جلسات برئاسة القاضي طنوس مشلب وحضور الأعضاء، فإن اللا قرار الذي خلص إليه المجلس الدستوري، جعل من التعديلات موضوع الطعن نافذة، وستجري الانتخابات النيابية وفقا للقانون الذي أقره المجلس النيابي في 28 تشرين الأول.
تنفي مصادر قضائية من داخل المجلس الدستوري أي تدخلات سياسية لدى القضاة، وتوضح لموقع “هنا لبنان” أن التصويت حصل على قاعدة 6 مقابل 4 أي أن ستة أعضاء قبلوا الطعن المقدم من التيار الوطني الحر مقابل أربعة رفضوه. أما كيف توزعت خريطة الاصطفافات والتصويت داخل المجلس الدستوري، فواقع تعيين أعضاء المجلس العشر قد يفضح ذلك. خصوصاً أن القاصي والداني يدرك أن توزيع الأعضاء في المجلس تم عبر منطق المحاصصة. خمسة أعضاء مسلمين: اثنان شيعة (حزب الله وحركة أمل) اثنان سنة (تيار المستقبل) وقاضٍ درزي واحد (الحزب التقدمي الاشتراكي) وخمسة مسيحيين (منهم أربعة للتيار الوطني الحر). فكان التصويت في المجلس على الشكل التالي: صوتان شيعة، ودرزي ومسيحي رفضوا الطعن، مقابل أربعة أعضاء مسيحيين وعضوين سنيين قبلوا به. وعليه يكون الاصطفاف تم وبصورة أوضح على الشكل الآتي: حزب الله – أمل- الاشتراكي – بوجه التيار الوطني الحر، واللافت موقف العضوين القريبين من تيار المستقبل واللذين صوتا لمصلحة قبول الطعن.
ترفض هذه المصادر تحميلها مسؤولية نجاح أو فشل أي تسوية سياسية، “فأعضاء المجلس الدستوري لا علاقة لهم بأي تسويات سياسية، وأي صفقة أو تسوية تبقى خارج أبواب المجلس الدستوري، والأعضاء صوّتوا بحسب قناعاتهم القانونية والدستورية بعيداً عن أي خلفيات حزبية وسياسية”.
ولا تؤيد هذه المصادر القول إن المجلس الدستوري فشل أو سقط، كما قال طنوس مشلب، او اتهام أعضاء المجلس بأنهم أسقطوا مقولة “استقلالية القضاء”، معللة ذلك بأن كل ما حصل هو أن قبول الطعن أو رده لم يحصل على تصويت أكثرية الأعضاء، وهو أمر يمكن أن يحصل في درس لأي طعن مقدم من أي كتلة أو تكتل نيابي.
إلّا أنّ بقاء التسويات خارج المجلس الدستوري كما قال القاضي طنوس مشلب، سرعان ما كذّبه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي قال في مؤتمره الصحفي إنه تلقى اتصالاً وعرضاً قبيل صدور قرار المجلس طرح عليه أن يقبل بالتصويت مع المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والنواب في مجلس النواب (وليس فقط الحضور) مقابل قبول الطعن.
في قراءة قانونية لما خلص إليه المجلس الدستوري، لا تفسر المادتان 20 و21 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، اللتان تحددان آلية وضع اليد على مراجعة إبطال قانون والمدة التي يستغرقها إعداد التقرير المتعلق به وصولاً إلى موعد صدور القرار والنصاب الملزم له، مغزى عدم صدور قرار عن الدستوري.
وفي الفقرة الأخيرة من المادة 21، إشارة إلى أنه في حال عدم صدور القرار ضمن المهلة المحددة “يعتبر النص موضوع المراجعة مقبولاً”. ولا تورد المادة 21 تبريراً لعدم صدور قرار في قانون مطعون فيه، ولا الأسباب التي من شأنها أن لا يصدر. إلا أن المادة 11 في القانون نفسه، تلحظ نصاب انعقاد المجلس المؤلف من عشرة أعضاء وطريقة اتخاذ قراراته: ثمانية أعضاء على الأقل كي يلتئم أصولاً، وتصويت سبعة أعضاء على الأقل توطئة لصدور القرار. ذلك ما تورده أيضاً المادة 37 من قانون النظام الداخلي للمجلس الدستوري بالقول “إذا لم يصدر القرار ضمن المهلة القانونية يكون النص ساري المفعول، وينظم محضر بالوقائع، ويبلغ رئيس المجلس إلى المراجع المختصة عدم توصل المجلس إلى قرار”.
أما فيما يختص بتحديد تاريخ إجراء الانتخابات النيابية فإن من يوجه الدعوة للهيئات الناخبة ويحدد موعد الانتخابات ليس المجلس النيابي بل السلطة التنفيذية، وبالتالي التعديلات على صعيد المهل التي أقرها مجلس النواب بتقريب موعد الانتخابات لإجرائها في 27 آذار يمكن ألا يؤخذ بها فتحصل في أيار وبغض النظر عن قرار المجلس الدستوري.
ومرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلى الاقتراع يصدر عن وزير الداخلية ويحتاج إلى توقيع رئيس الوزراء ومن ثم رئيس الجمهورية الذي أكد أنه لن يوقعه في ظل رفضه إجراء الانتخابات في آذار، من دون أن ننسى أن المرسوم يجب أن يصدر قبل 90 يوماً من موعد الانتخابات، أي قبل 27 كانون الأول الجاري، وبالتالي فإن الاستحقاق ذاهب حكماً إلى أيار.
بنظر البعض فإن المجلس الدستوري قد كرس حق المغتربين بالتصويت لـ 128 نائبا من مكان إقامتهم، وهو ربما ما يريده المغتربون. كما سلم من الصفقات السياسية التي غسل الجميع أيديهم منها، عندما أسقط التسوية التي كانت تقضي بإسقاط اقتراع المغتربين إرضاءً لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مقابل نزع صلاحية المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بملاحقة الرؤساء والوزراء في القضية، ما من شأنه أن يعيد تفعيل جلسات مجلس الوزراء المعلقة منذ 12 تشرين الأول الماضي بفعل “تهديدات” “حركة أمل” و”حزب الله”.
ولم تصمد التسوية طويلاً، وذلك نتيجة خلافات حصلت خصوصاً على خطي رئيس المجلس النيابي نبيه بري – ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ربطاً بملف التعيينات القضائية والإدارية التي تشمل حاكم مصرف لبنان، وقد تأكد فشلها مع خروج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من لقائه بري ممتعضاً، مؤكداً أنّ حكومته ليست معنية بأي صفقة.
إذاً رغم النفي، عجز أعضاء المجلس الدستوري عن إبقاء انتماءاتهم وولاءاتهم السياسية للأحزاب والزعامات التي عينتهم، على أدراج المجلس الدستوري. فلم يخف القاضي طنوس مشلب انزعاجه من اللاقرار الذي توصل إليه أعضاء المجلس الدستوري، قائلاً: “لم يكن بالإمكان أكثر مما كان”. واللافت في كل تصريحات مشلب، إن من المجلس الدستوري أو على وسائل الاعلام، أنّها لم تنفِ حصول أيّ تدخلات سياسية، فهو يقول ” لا أعرف ما إذا كان هناك تدخّل لدى أحد من الزملاء ولكن لا أشكّ بأحد”، ليضيف قائلا: “لا أجزم عدم حصول اتصالات ببعض القضاة”. وإن دلّ ذلك على شيء فهو غياب الثقة بأعضاء هذه “الهيئة الدستورية المستقلة ذات الصفة القضائية” كما تقول المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري. فكيف نطلب من شعبٍ، اعتاد التسويات سبيلاً لمشاكله، أن يثق باستقلالية أعضاء المجلس الدستوري؟ إنها لحظة انضمام المجلس الدستوري إلى حالة السقوط والانهيار التي تعيشها مؤسسات الدولة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |