باسيل في فخ برنارد شو

كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان” :

تقول القصة المعروفة أنّ برنارد شو سأل امرأةً جلست بجواره في إحدى الحفلات: “هل تقبلين سيدتي أن تقضي معي ليلة بمليون جنيه استرليني؟”، فابتسمت المرأة وأجابته: “بكلّ سرور”. فعاد وسألها: “هل من الممكن أن نخفض المبلغ إلى عشرة جنيهات فقط؟؟”، فغضبت المرأة وصرخت في وجهه قائلة: “من تظنني أكون؟”، فقال لها شو: “نحن عرفنا من تكونين، نحن فقط نختلف على الأجر”.

لو وضعنا أبطالاً لبنانيين لهذه الأمثولة، لكانت الصفقة التي تفاوض فيها النائب جبران باسيل والرئيس نبيه بري برعاية الحاج حسين الخليل، هي الوجه الآخر لما عرضه برنارد شو على السيدة المتصابية، بكل ما تخلّل هذا البازار من تفاوضٍ وحرق أسعارٍ وابتزاز، لكنّ الثابت في العرض لم يكن السعر بل مبدأ المقايضة، الذي وافق عليه باسيل، مع دفعةٍ تحت الطلب تمثّلت في إقراره باستنسابية التحقيق في ملفّ المرفأ، وهو الإقرار، الذي أتاح لبرنارد شو الثنائي، أن يخفّض السعر في اللحظات القاتلة لإتمام الصفقة، وهو ما أدى إلى عدم إتمام الصفقة.

لماذا فشلت الصفقة بعدما كادت أن تتمّ بسلام، ولماذا أخفقت أيامٌ طويلةٌ من التفاوض بين بري وباسيل وهل من فخٍّ نُصب لباسيل، حصل بعده تراجعٌ دراماتيكي، أوقعه متلبساً بالصفقة وحاملاً لأوزارها هو وباقي المنظومة التي يرعاها حزب الله؟
في المعلومات أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يكن معارضاً لمبدأ المقايضة، بين التوافق على الطعن في المجلس الدستوري، وفصل محاكمة الرؤساء والوزراء من تحقيق القاضي طارق البيطار، عبر إقرار التشريع في المجلس النيابي. لكنّ ما جرى خلال التفاوض أنّ النائب باسيل قرأ في حاجة الثنائي لنسف التحقيق في ملف المرفأ، أكثر بكثيرٍ من القدرة على تقديم جوائز تتجاوز قانون الانتخاب، فهذه الجوائز سوف تصطدم ببري وميقاتي على السواء.
تضيف المعلومات أنّ باسيل الذي وسّع لائحة مطالبه، لتشمل دفعةً واحدةً الإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومدعي عام التمييز غسان عويدات، ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود (ترك مطلب إقالة قائد الجيش لمرحلة ثانية)، كما كشف عن النية بالمطالبة بكل تعيينات الفئة المسيحية، كلّ ذلك كان من أجل تلبية طلب الثنائي في ملف المرفأ، وهو ما أدى إلى إجهاض الصفقة، التي كان حزب الله بالفعل وكما قال باسيل يحاول إحياءها لساعاتٍ قبل صدور اللاقرار من المجلس الدستوري.
تقول المعلومات، أنّ ما طلبه باسيل بخصوص الحاكم رياض سلامة والقاضي عبود، وسائر التعيينات، وحّد عملياً موقفَي بري وميقاتي، علماً أنّ الأول مفوضٌ من حزب الله بأن يقبل باسم الثنائي ما يريد ويرفض ما يريد، حتى ولو كان في بعض الملفات تمايزٌ كموضوع إقالة حاكم المصرف المركزي. لهذا بدا أنّ غضب ميقاتي الخارج من عين التينة كان مبالغاً به، علماً أنّ كلام ميقاتي أكّد وجود الصفقة ولم ينفِها.
ما جعل باسيل يخطئ التقدير أنّه اعتقد أنّ حزب الله سوف يفكّك لغم بري من أمام طموحه الرئاسي الذي يمرّ حكماً بمجموعةٍ مترابطةٍ من الخطوات لاستعادة ما خسره على الأقلّ في السنتين الماضيتين. المطلوب بالنسبة له تعيين كلّ المواقع المسيحية في الإدارة، نسف قانون الانتخاب، وتأجيل الانتخابات إن أمكن، محاصرة كلّ من يقترب من أن تتوفّر فيه مواصفات المرشّح المقبول داخلياً وعربياً ودولياً، وإلى جانب ذلك كلّه نيل التزام من حزب الله منذ الآن بباسيل مرشحاً وحيداً مدعوماً منه للرئاسة.
كلّ ذلك كان قد سقط لأن لحزب الله حسابات تتجاوز باسيل وتضع حدوداً لدعمه تحاذر الإخلال بالتركيبة التحالفية الشيعية منها أو المسيحية، وبحسابات أشمل أهمها أن لا موقف من الانتخابات الرئاسية، قبل التوقيت المناسب وهو ليس بالضرورة على قياس الداخل اللبناني.

لم تسقط الصفقة إذاً إلّا بسبب الخلاف على الأسعار، هذا الخلاف لا يتيح لباسيل أن يتخطّى الخطوط الحمر في الشغب على حزب الله، فحدود اللعبة معروفة، وحزب الله وضع منذ الآن الخطة باء، لليوم الثاني لخسارته الأكثرية النيابية: الديموقراطية التوافقية والبندقية في آن. هذه تقنية اختبرها حزب الله لتعطيل حكومة السنيورة، وهو جاهزٌ لاستعمالها إن لم يستطع التمديد للمجلس النيابي المهترئ.

مواضيع مماثلة للكاتب:

تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد

لبنان على موعد مع أشهر صعبة

ترامب اللبناني