عام 2022: العلاقة بين لبنان وإسرائيل ليست كالسابق.. من سينتصر؟
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان” :
“ماضي البلاد العربيّة أصبح تاريخاً وحاضر الوطن العربيّ يَرسم مستقبله”، هذه العبارة تختصر مصير هذا الوطن الذي لا يزال يُعاني ولأكثر من سبعين عاماً من نِزاعٍ عقائديّ هجّر شَعباً من شعوبه واحتلّ إقليماً من أرضه؛ لِيُصبح الظالم، الآمر والحاكم وسيّداً على الأرض التي احتلّها.
فقيام الكيان الصهيونيّ على أنقاض دولة فلسطين كان شرارة من شرارات الخطر الإسرائيليّ على المنطقة؛ فلم تسلم منه الدول العربيّة المجاورة وخصوصاً لبنان!
يُعاني لبنان ومُنذُ عشرات العقود من ثقلٍ بسبب وجود العدوّ الإسرائيليّ في الأراضي الفلسطينيّة، التي احتلّها واتّخذها دولةً له؛ اعترف المُجتمع الدوليّ بدولة إسرائيل ورحّب بها عُضواً ضمن المنظمة الأقوى عالمياً، منظمة الأمم المتّحدة من جهة، ومن جهةٍ أخرى لم تكتفِ الدول بالعلاقات الديبلوماسيّة مع إسرائيل بل أنشأت معها علاقات أعمق فكانت القاعدة الأميركيّة على الأراضي الصهيونيّة خير دليلٍ على العلاقات المميّزة بين الطرفين.
لكنّ الخلاف بين لبنان وإسرائيل له عدّة أبعاد، فالبعد العقائديّ تجلّى بالخلاف على فكرة نشوء هذا الكيان على أنقاض دولة عربيّة (دولة فلسطين)، أمّا البُعد الديموغرافيّ يظهر بنتيجة قدوم اللاجئين الفلسطينيين إلى لُبنان وتمركزهم منذ سنوات طويلة في المخيّمات ومُطالبات توطينهم في لبنان، بينما البُعد العسكريّ يتمثّل بالتهديدات الإسرائيليّة اليوم للحدود اللّبنانيّة بعد الحروب والاحتلال الصهيونيّ المُباشر لإقليم الدولة اللّبنانيّة.
وبعد ستّ سنوات على تحرير لبنان من الخطر الإسرائيليّ بدأت الحرب عام 2006 في الجنوب اللّبناني التي نَتج عنها القرار 1701 الذي يقضي بالوقف الفوري لإطلاق النار وانتشار قوات اليونيفيل في لبنان (بحسب الفصل 6.5 في الأمم المتّحدة) التي لا تزال حتى اليوم ضمن الخط الأزرق.
نزاع الأرض العسكريّ الذي يترافق مع طيران إسرائيليّ فوق الأراضيّ اللّبنانيّة، أُضيف اليه اليوم نزاع البحر الإقتصاديّ وهذه المرّة الخَطر أكبر لأنّه موازٍ للأزمة اللُبنانيّة التي تُعتبر بحسب البنك الدولي الأزمة الأسوأ عالمياً منذ العام 1850. فهل المعطيات التي يملكها الجانب اللّبناني تخوّله الإصرار على موقفه من المفاوضات مع إسرائيل أم إنّها سترضِخُهُ؟
أوّل إتّفاقيّة تنقيب عن النفط والغاز اللّبناني في القرن الحادي والعشرين وقّعها لبنان في العام 2018 بين تحالف شركات توتال الفرنسيّة وإيني الإيطاليّة ونوفاتيك الروسيّة، وتوجّهت شركة توتال الفرنسيّة إلى البحر اللّبنانيّ بعد توقيعها معاهدة مع الدولة اللبنانيّة في نيسان 2020؛ وترافقت مع بدء إسرائيل بالتنقيب عن النفط والغاز على حدود المنطقة المُتنازع عليها مع لبنان أي بلوك رقم 9 في شهر حزيران الأمر الّذي أثار امتعاض الجهات اللّبنانيّة. ومع بدء المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في شهر تشرين الأوّل 2020 برعاية واشنطن ومنظمة الأمم المتّحدة التي سرعان ما توقّفت بعد 7 أشهر من بدئها.
المفاوضات بين الطرفين كانت على أساس خريطة قُدّمت من قِبل الطرف اللّبناني إلى الأمم المتّحدة في العام 2011 إستندت إلى تقديرات خاطئة فطالب لُبنان بأن تكون المفاوضات على أساس 1430 كلم مربّع وليس 860 كلم مربّع بحسب الخارطة الخاطئة بنظره؛ الأمر الذي دفع بواشنطن للوقوف جنب إسرائيل واتّهام لُبنان بعرقلة المُفاوضات!
ماذا سيحصل في العام 2022؟
بسبب جائحة كورونا وبفعل القوانين التي نصّت على تعليق المهل العقديّة، مُدّدت مُهلة استكشاف النفط والغاز في المنطقتين 4 و9 في المياه الإقليميّة اللّبنانيّة إلى خريف 2022. أي أنّه من المفترض إعادة العمل بالتنقيب عن النفط والغاز؛ غير أنّ الشركة معروف عنها استثمارها في البلدان التي تضمن وجود كميات وافرة من الثروات الطبيعيّة. فهل أدركت توتال أنّ الكميّة الموجودة في بلوك 9 غير كافية وستعتذر عن إستكمال التنقيب، أمّ إنّها تراوغ اليوم بهذا الموضوع وستدفع البند الجزائي لفكّ الإتفاقيّة (لغايات معيّنة أو بسبب ضغط أميركيّ عليها) كما صرّح السفير الفرنسي منذ بضعة أشهر؟
لكن من جهة أخرى ومع عودة المفاوضات إلى سلوك مسارها الطبيعي بعد زيارة كبير مستشاري الولايات المتّحدة لأمن الطاقة العالمي هوكشتاين بيروت في تشرين الأول 2021، تنتظر الشركة الفرنسيّة مسار المفاوضات لأخذ قرارها إمّا التنقيب أو الاعتذار!
وقد تكون بانتظار عودة هوكشتاين إلى بيروت في بداية العام المقبل مع ملف ترسيم الحدود الذي يفرض على الجانب اللّبنانيّ إمّا قبول شروط الترسيم أو فرض عقوبات على سياسيّي لبنان.
بعد السعي لتطبيق صفقة القرن في عهد دونالد ترامب، والتطبيع الذي يحصل بين إسرائيل والدول العربيّة وكان آخرها مع الإمارات العربيّة المتّحدة؛ هل سيستطيع لُبنان الإصرار على موقفه تجاه إسرائيل وحلفائها وعدم التنازل عن أي كيلومتر بحريّ على الحدود، أم أنّه سيرضخ خوفاً من العقوبات التي تلوح بالأفق؟ هل سيكون هناك حلٌّ بديل كتوطين الفلسطينيّين في لبنان؟
نحن اليوم بانتظار عودة هوكشتاين لأنّ العلاقة بين لبنان وإسرائيل لن تكون بعد العام 2022 كما كانت بالسابق؛ والأيام كفيلة بتحديد من المُنتصر ومن المُنهزم!