اذكر أنّك من حزب الله وإلى حزب الله تعود!
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان” :
لم يُعِرِ الرئيس ميشال عون الاهتمام الكافي للشّكل والمضمون والتّوقيت للكلمة التي ألقاها، والتي سوّق لها مناصروه بأنّها ستكون القنبلة التي تجعل ما بعدها ليس كما قبلها.
في التوقيت، جاءت الكلمة بعد فشل الصفقة التي كان جبران باسيل أحد أطرافها، ليؤكّد المؤكّد وهو أنّ عون لا يعترض أو ينكفئ أو يندفع أو يصرخ أو يصمت إلّا كي يؤمّن مصلحته السياسية الخاصّة، وهذه قاعدةٌ ثابتةٌ شبّ وشاب عليها، منذ العام 1989 وإلى اليوم، من بعبدا 1988 إلى بعبدا 2021.
كان سهلاً عليه بعد انتهاء حرب التحرير إلى انتخاب رينيه معوض رئيساً، أن يفتح الحرب مع القوّات اللبنانية، وأن يرسل الموفدين لغازي كنعان، فهذه أسهل المهمّات عند من لا مبدأ ثابت يسير عليه في السياسة.
في المضمون، أرسل عون إشارات اعتراضٍ على حزب الله، لم تتخطّ اللوم والعتب، ولم ترقَ إلى مستوى البحث في التحالف القائم منذ 16 سنة. لم يمسّ بالتحالف العميق المرتكز على تغطية سلاح حزب الله ومشروعه، بل إنّه لم يجرؤ على مهاجمة حليف حليفه الرئيس نبيه بري بالاسم، وترك الباب مفتوحاً للصفقة بنسختها الثانية، التي من المتوقع أن ينشط حزب الله في المرحلة المقبلة في الترتيب لها، تجاوزاً لشراهة جبران باسيل التي أفشلت الصفقة الأولى، وأحرجت بري وميقاتي، اللذين اتّفقا على دفنها سوياً، على وقع عدم ممانعة حزب الله.
لقد بدا الرئيس المتعب في بعبدا، واقعاً تحت هاجسٍ وحيد: ضمان تأمين الانتقال السّلس في السنة الأخيرة، لوريثه وهذا يتطلب عاملين:
الأوّل: استمرار دعم حزب الله لباسيل، ليس باعتباره أحد الحلفاء، بل الحليف الأقوى والأكثر جدوى للحزب ومشروعه. وهنا يراهن عون على ما يمكن أن يُحدثه من أعاجيب في البيئة المسيحية. لقد بات يعلم أنّ هذه البيئة بكلّ اتجاهاتها، باتت تُحمّل حزب الله وسياساته مسؤولية الانهيار، لكن لا زال واثقاً من أنّه قادرٌ على أن يصنع فيها أعجوبةً جديدة، تعيد لتحالفه مع الحزب صورته التي لم يخسر منها الكثير من العام 2006 وحتى الأمس القريب، وهذا يتطلّب تأييداً من الحزب، لا لبس فيه، لبعض القنابل الدخانية التي أطلقها عون في كلمته، ومنها اللامركزية التي تغري المسيحيين، والاستراتيجية الدفاعية التي تعني كبح السلاح وتأثيره على الواقع اللبناني المتداعي.
يروي أحد المطّلّعين أنّ عون المسترئس أرسل لسمير جعجع قبل توقيع ورقة التفاهم رسالة إغراء مفادها: من أدخل نصر الله في قلوب المسيحيين، قادرٌ على أن ينسيهم حرب القوات والجيش (يقصد قادر أن يلغي عدائية أكثرية المسيحيين للقوات).
الثاني: توظيف الصفقة بنسختها الثانية (إذا نجحت)، في صناديق الاقتراع، للحدّ من التراجع المؤكّد الذي قلّص نسبة تأييد التيار الوطني في معظم الدوائر المسيحية، وعلى ما يبدو فإنّ باسيل سيطوّر سياسة إطلاق القنابل الدّخانية التي بدأها عون، لاستعادة خطابٍ مسيحيٍّ مبنيٍّ على استثارة الملفات التي تخاطب الوعي الدفين، ومنها ملفّ الفيدرالية حتى حدود الانفصال، والدولة المدنية، كلّ ذلك مغطّى بمطلب اللامركزية الإدارية الذي هو الاسم الحركي للفيدرالية.
على وقع هذا اللهاث في رفع الخطاب الشعبوي، يصبح تلمّس الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في علاقة عون بحزب الله ضرورياً. إذ يعطي اللقاء الذي جمع باسيل ووفيق صفا، جواباً من أجوبة كثيرة، كلها تدور حول مسلّمة وحيدة: العلاقة بين حزب الله والتيار باقيةٌ وثابتة، وهي تجاوزت الأزمة التي نتجت عن انهيار الصفقة.
لا يكتم مطلعون في التيار سرّاً إذا كشفوا أنّ اللقاء بين باسيل وصفا (عُقد في منزل أحد نوّاب بعبدا)، بحث في ما بعد صدور قرار المجلس الدستوري، وأنّ العين باتت فعلاً على الانتخابات. لقد حصل بحثٌ أوّليٌّ ومفصّل بين حزب الله والتيار في الانتخابات والتحالفات المشتركة، ويضيف المطّلعون: “رغم مشكلتنا مع حزب الله إلّا أنّه الطرف الوحيد الذي يمكن اعتبار تحالفنا معه قائماً، خلافاً للصدام الذي يحكم علاقتنا بالرئيس بري وشركائه. ويقولون:” بتوقيع الرئيس عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، نكون قد دخلنا فعلاً في المعركة الانتخابية، لكن وسط التعطيل المستمر، إذ لن يقبل الرئيس عون أن يقايض عقد جلسة للحكومة، بالإطاحة بالقاضي طارق البيطار من داخل الحكومة وهذا الموقف تبلّغه صفا بوضوح”.
رياح التّهدئة هبّت إذاً، وكما خفّض عون من منسوب كلمته، كذلك لا يتوقّع لباسيل إلا أن يكمل شدّ العصب لكن من دون المسّ بجوهر التحالف مع حزب الله، فالتفاهم الذي بُنيَ على وضوحٍ في تبادل المصالح قائمٌ ومستمرّ، ولا يوجد لدى عون أيّ هامشٍ واسعٍ للمناورة والابتعاد عن الحزب، فهو أكثر من يدرك أنّ خرق الخطوط الحمر مُكلِف، وأنّ استثمار 16 سنة من التحالف الذي أفضى به إلى بعبدا، لا يتيح له فرض شروطه، بل يُبقي له معادلةً واحدةً متيسرة: أن يتذكّر في كلّ أزمةٍ أنّه من حزب الله وإلى حزب الله يعود.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |