المجتمع اللبناني ما بين التخلّف والتنمية، قوانين صارمة!


أخبار بارزة, خاص, لبنان 30 كانون الأول, 2021

كتبت ريما داغر لـ “هنا لبنان” :

التخلّف الثقافي هو التأخّر الزمني والسلوكي كنتيجة مباشرة ما بين صراع حضارتين وصدام لثقافتين عبر حقبة تاريخية أصبحت مختلفة عن التي سبقتها.

يأخذ التخلّف أبعاداً كثيرة تتركّز بصفتين أساسيّتين ألا وهي: اللاعقلانية في التدبير والعجز في تحقيق الأهداف.

وفي نظرة إلى المجتمع اللبناني، الذي يبدو ظاهرياً منفتحاً على كلّ جديد، بيد أنه في العمق الثقافي لا يزال متخلّفاً، تسيطر عليه الأفكار الرجعية، وتتحكّم به الصفتين الأساسيتين: اللاعقلانية التي تتجلّى بتصرّفات وسلوكيات أبنائه، والعجز عن تحقيق الأهداف الرامية إلى التحسين والتطوير والإنماء.

وإن هذا يبدو جلياً من خلال قضايا تتعلّق بحقوق الإنسان، خاصة قضايا المرأة والأسرة، وقضايا الأحوال الشخصية.

يعود هذا التخلّف إلى طبيعة المجتمع اللبناني الذي هو مجتمع بطريركي يرتكز على السلطة الأبوية في الأصل. فالأب هو المسؤول عن العائلة ويقرّر كلّ ما يتعلّق بشؤون أفرادها. ويستمرّ هذا السلوك الذكوري مع الأفراد وينتقل إلى المجتمع حيث يتجسّد في مستويات مختلفة تميّز ما بين الرجل والمرأة.

فنجد المرأة في المجتمع اللبناني فاعلة في مجالات عديدة ولكنّها مختصرة ببعضها كمجالات التدريس والتمريض والسكريتاريا… أما المجالات الأخرى خاصة السياسية منها ومراكز صنع القرار، فتبقى المرأة بعيدة عنها أو مُبعدة، إلّا في حال الوراثة العائليّة. وإن هذا لهو أمر طبيعيّ نسبة للثقافة السائدة التي تحجّم دور المرأة وتضعها في إطار معيّن لا يجب أن تتخطّاه.

أما في ما يتعلّق بقضايا الأحوال الشخصية، فهنا أساس المشكلة يبدو أكثر وضوحاً. فشؤون الأسرة في لبنان تحدّدها الطائفة، ولكلّ طائفة مرجعيّتها وقوانينها الخاصة، وتكون الأسرة حينها رهينة لتشريعات أو لنصوص لا تتماشى والواقع المجتمعي، وتتعارض مع قضايا حقوق الإنسان إلى حدّ كبير.

ولكي لا ننسى جانبًا مهمِّا من واقعنا الأليم، وكي نكون منصفين بحق المواطن اللبناني ومبرّرين- إن جاز التعبير- للتخلّف السائد، لا يجب أن ننسى ما مرّ به اللبناني من أزمات وحروب متتالية، لم يلبث أن يخرج من واحدة حتى يجد نفسه في خضمّ أخرى. فهذه الأزمات التي تتالت شغلت اللبناني عن النظر بشؤون إنسانيّة عامة، فأصبح رهينة التطلّع إلى وسائل استمرارية بقائه في ظلّ غياب شبه تام للدولة وفشل المؤسسات ونقص التشريعات التي تُعنى بحقوق المواطن.

من هذا المنطلق، ومن ناحية التغلّب على الثقافة السائدة التي تضع اللبناني في مرتبة متأخّرة عن التقدّم الحضاري، بالرغم من استعداد لبنان لأي انفتاح وتطوّر وتنمية بما أنه بلد غنيّ بالموارد الطبيعية والبشرية، نحن بحاجة إلى تطبيق قوانين صارمة تتعلّق أولاً برفع كل أشكال التمييز بين أفراد المجتمع، وثانياً إقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية يكفّ يد الطوائف عنها فيجعلها واحدة بين كافة الأفراد مهما كانت انتماءاتهم.

إن إقرار قوانين محقّة وتطبيقها والعمل على تعديل قوانين أخرى وإلغاء تلك المجحفة، هو بداية الطريق لمستقبل جديد مؤسّس لمجتمع خالٍ من التمييز والذكورية حيث يشترك في بنائه المواطن ولو قسراً، ويتخلّى عبره عن تسرّبات قديمة وعادات بالية شيئاً فشيئاً بقوّة القانون وسيفه القاطع. فتدخل التشريعات في صلب الثقافة السائدة وتصبح عادة تحلّ مكان العادات القديمة. وبعدها، يأتي دور التوعية والتربية المستمرّة والهادفة إلى تسليط الضوء على أي جديد يطرأ في قضايا حقوق الإنسان وتنمية المجتمعات.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us