باسيل يُغرقنا في الأكاذيب.. هكذا زيّف الحقائق!
كتب خليل حلو لـ“ici beyrouth”:
الخطاب الذي ألقاه النّائب جبران باسيل، الأحد، لا يمكن أن يمرّ دون طرح سلسلةٍ من الملاحظات المهمّة، فخطاب رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ حجب الحقائق التاريخيّة والدستوريّة وتهرّب من المشاكل الحقيقيّة.
وكان باسيل قد قال: “اخترنا اتّفاق مار مخايل مع حزب الله (2006) على الصّراع الطائفيّ واتّفقنا على أنّ هذه الأسلحة موجودةٌ فقط لحماية لبنان”.
ويتضمن اتّفاق مار مخايل بين الرئيس ميشال عون والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله تخليًّا واضحاً عن سيادة لبنان، ويذكر الاتّفاق أنّ حزب الله سيسلّم سلاحه في حال زوال الخطر المحدق بلبنان.
وبالطّبع لا أحد في لبنان يصدّق أنّ حزب الله سيسلّم سلاحه بشكلٍ طوعيٍّ.
والتّنازل عن السّيادة، كان وفق باسيل، لتفادي الخلافات الداخليّة، وفي النّهاية اتّضح كلّ شيء إذ لم يَسُدِ الاستقرار في لبنان خلال الـ 15 عاماً الماضية، فضلاً عن أنّ هذا الوضع الداخليّ في لبنان يخفي في طياّته بذور حربٍ أهليّةٍ يجب قمعها، فسلاح حزب الله يخاطر بظهور المزيد من الأسلحة.
وقال باسيل في خطابه بأنّ اتّفاق مار مخايل كانت مهمّته الوحيدة حماية لبنان، وتغاضى عن أنّه بعد عامين من هذا الاتّفاق وقعت أحداث 7 أيار والتي غزا فيها الحزب بيروت والجبل، وفي تلك المرحلة أعلن الحزب وحليفه البرتقالي هذا اليوم يومًا مجيدًا.
وقال باسيل أيضاً أنّ وحدة الشيعة مهمّة، ولكن ليست على حساب لبنان. وهنا لا بدّ أن نلفت أنّ حزب الله لا يمكن أن يفضّل باسيل وتياره ورئيس الجمهورية على حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، فضلاً عن ذلك فعندما يتحدّث باسيل عن وحدة “الشيعة”، فهو لا يعرف جيداً شيعة لبنان.
فكيف يفترض أنّ كل الشيعة في لبنان يصطفون وراء الثنائي؟ ألا يعلم بوجود الشيعة الليبراليين وحضورهم النشيط؟ ألم يلتقِ النُّخَب الشيعية التي يفتخر بها لبنان؟ هل قرّر باسيل حصر الشيعة، الذين يؤمنون أكثر من أيّ لبنانيٍّ آخر بلبنانٍ مستقلٍّ وحرٍّ وذي سيادة، بالثنائي حزب الله وحركة أمل؟ ألم يقرأ ما أعطاه الشيعة المتقدّمون للبنان المعاصر؟
من خلال الادّعاء بأنّ الدولة المركزية، وتحديداً مجلس النواب والمجلس الدستوري، يحرمان رئيس الجمهورية قسراً من سلطاته، يُظهر باسيل عدم فهمٍ صارخٍ للدّستور. هو لم يلجأ إلى الخبراء الدستوريين والقانونيين، الذين يشرحون في كلّ مناسبة أنّ دستورنا الصادر في العام 1926 يعتبر البرلمان مساحةً للحوار بين الطوائف الثمانية عشرة التي يتألّف منها لبنان، وسبب وجوده ليس التشريع فقط.
بالإضافة إلى ذلك، يذكر الدستور أنّ الحكومة هي سلطةٌ إجرائيةٌ، وليست فقط سلطةً تنفيذيةً، وذلك في سياق الإشارة بدقّةٍ إلى أهميّة رئيس الجمهورية، والذي هو في نهاية المطاف رأس الدولة وليس رئيسًا لكامل الصلاحيات.
رئيس الدولة هو مثل الملك الدستوري، الذي يجب أن يسمو فوق كل السلطات، ويتولى دور الحكم على أن يكون على مساحةٍ متساويةٍ من جميع الأحزاب.
في المقابل، فإنّ الرئيس عون لم يفوّت منذ انتخابه فرصةً لتأكيد تحالفه مع حزب الله، في الوقت الذي كان عليه أن يحذو حذو أسلافه، وتحديداً فؤاد شهاب، شارل حلو، إلياس سركيس وميشال سليمان، وحفظ السيادة الدستورية.
بالعودة إلى البرلمان، فإنّ الأخير في الممارسة هو الحاكم الدستوري، ومع ذلك لا ينصّ الدستور على سيادة الرئيس برّي على مجلس النواب.
المشكلة إذاً ليست في الدستور الذي يقترح السيد باسيل تغييره، بل في الهيمنة التي يمارسها بري على مجلس النواب.
وهنا لا بدّ من السؤال: لماذا يكتفي باسيل بتصريحاتٍ علنيةٍ لا مناسبة لها، وضبابيةٍ تجاه برّي، دون اتّخاذ أي إجراء؟
وكان باسيل قد اعتبر في خطابه أنّ “نظامنا السياسي الأساسي أصيب بالشلل منذ اتفاق الطائف الذي كان هدفه الحفاظ على لبنان كدولةٍ تُحكم من الخارج”، دون أن يحدّد أنّ هوية هذا “الخارج” هي النظام السوري.
وكان الرئيس عون قد زار دمشق، علماً أنّ النظام السوري لم يغيّر من سلوكه، أو يعترف بجرائمه في لبنان، أو يعتذر حتّى للشعب اللبناني عن 30 عاماً من الاحتلال والدمار والاغتيالات والقمع والسيطرة الكاملة.
يذكر أنّ الأحكام الدستورية في الطائف هي نتيجة مشاورات لبنانية داخلية بين 1975 و1990 وبالتالي هي أحكامٌ لبنانيةٌ … باستثناء البنود التي أدخلها النظام السوري في ذلك الوقت.
واللافت في كلام باسيل قوله إنّ “الدولة المركزية تفشل تحت قيادتك وبسبب نظامك”، مضيفاً: “لا نريد أن نعيش في دولةٍ فاشلةٍ، الدولة المركزية التي نريدها هي دولةٌ مدنيةٌ علمانية”.
ولكن عمّن يتحدث باسيل؟ من يحكم الدولة المركزية؟ من يتولّى رئاسة الجمهورية؟ من هم حلفاء الرئيس منذ اتّفاق مار مخايل؟
في المقابل، فإنّ العلمانية التي يدعو إليها باسيل، تتعارض مع تصريحاته السابقة حول “حقوق المسيحيين”.
وسأل باسيل أيضاً عمّا إذا كان اتّفاق مار مخايل قد تطوّر إلى عملية بناء الدولة، قبل أن يضيف: ألم يوفّر غطاءً للفساد ويهدد ولاية الرئيس (عون)؟ ألم ينسف المجلس الدستوري؟
نسي باسيل أنّ الرئيس عون هو طرفٌ في اتّفاق مار مخايل ويتحمّل المسؤولية أيضاً.
وفي إشارة إلى الاستراتيجية الدفاعية، سأل باسيل أين هي، فيما على اللبنانيين أن يسألوه لماذا لم يتمّ التطرّق إلى هذه القضية منذ بداية ولاية عون، علماً أنّه وعد بذلك، وعليهم أن يسألوه كذلك عن سبب انسحاب التيار الوطني الحر من لجنة الحوار الوطني، والتي كان قد اقترح فيها الرئيس ميشال سليمان في العام 2012 تطوير استراتيجية دفاعية.
أخيراً، قال باسيل: “ليس لدينا سببٌ آخر لعدم زيارة سوريا، وأنا مستعدٌّ للذهاب إلى هناك قبل الانتخابات”.
هذا الكلام ليس بمفاجأة، إذ انتشرت شائعاتٌ حول افتتاح مكتب للتيار الوطني الحر منذ سنواتٍ في دمشق، ويزوره الوزير الرئاسي السابق بيار رفول أسبوعياً.
غير أنّ أحداً لم ينكر هذه الشائعات.
وتعود علاقة التيار الوطني الحر المفتوحة مع النظام السوري إلى زيارة عون إلى سوريا.
في الخلاصة، لا يستطيع أحدٌ أن ينكر الحقائق التاريخية أو يلوم الدستور على المصائب التي نمرّ بها، فهي في الغالب نتيجة هيمنة حزب الله، وعدم كفاءة من هم في السلطة.
أما باسيل فهو بعيد كل البعد عن وضع الإصبع على الجرح.
مواضيع ذات صلة :
في كواليس ساحة النجمة حديث خفي عن تمديد يُحضّر للنواب… الحجج كثيرة وعلى طبق من فضّة! | إليكم ما قرّره المجلس الدستوري بشأن الطعون الثلاثة في التمديد للبلديات | أيوب: نتمنى أن ينصفنا المجلس الدستوري |