تأرجح الديمقراطيّة في لبنان بين التوافقيّة وغير التوافقيّة!
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
في ظلّ اقتراب موعد الانتخابات النيابيّة في لبنان زادت المُناكفات والخلافات الداخليّة داخل المنظومة السياسيّة نفسها التي توافقت مرّاتٍ كثيرة وتآمرت على الشعب خدمةً لمصالحها الخاصّة. ومع الجدل اليوميّ الذي يقوم به أهل السياسة من جهة والأحزاب من جهةٍ أخرى واستخدام مفاهيم تصف حالةً سياسيّةً وقانونيّةً معيّنة، نشعُر بمدى أهميّة الموضوع المُتداول. لكن الدلالات العلميّة تُظهر مدى الجهل السياسيّ الذي نعيشه في لبنان، كون الخطاب السياسي الذي يُستخدَم يَتضمّن عباراتٍ غير دقيقة.
الديمقراطيّة التوافقيّة أصبحت حديث الساعة مع بداية العام وموضوع جدلٍ لدى الكثير، فهي تُفصّل على قياس كلّ حزبٍ وكلّ زعيم؛ لكنّها بالواقع تشكّل تحدّيًا جوهريًّا من ناحية التطبيق في النظام السياسيّ اللّبناني! فإلى أيّ مدى نعيش ديمقراطيّةً توافقيّةً في لبنان؟
لبنان بلد التعدُّديّة والمُجتمع التعدّديّ هو مجتمعٌ غير مُتجانس، غير مندمج، مقسّمٌ حيث تتفاعل الأحزاب السياسيّة من ناحية وينشط دور الوسائل الإعلاميّة من ناحيةٍ أخرى؛ فالواقع اللّبناني يُظهر تقسيم المُجتمع وخاصةً من الناحية الطائفيّة! ولاء الأفراد في لبنان لم يكن منذ ولادة هذا البلد للوطن، فلطالما كان لزعيمٍ سياسيّ أو لحزبٍ ولطائفةٍ تتمثّل برجل دين.
الديمقراطية التوافقيّة تظهر أهميّة وجود ولاءٍ للسلطة السياسيّة أي الأكثرية وضرورة نشوء معارضةٍ أو أقليّةٍ رافضةٍ للحُكم؛ بالإضافة الى إعطاء دورٍ للمجتمعين الأهليّ والمدنيّ والنقابات التي تعكس وجع الشعب للوصول الى أهدافٍ وغاياتٍ تضمن حقوق الأفراد.
بنية لبنان المُركّبة ترافقت مع نظامٍ سياسيٍّ يعتمد على الطائفيّة في بنيته، فكانت الديمقراطيّة التوافقيّة حسب المصالح الطائفيّة وليس بحسب الطائفة، الأمر الذي أوصل البلد إلى نتائج سلبيّة يعيشها المواطن اليوم وكانت سببًا لغياب دور الدولة.
المؤسسات الدستورية والسياسيّة في لبنان توافقت مع البنية المجتمعيّة الطائفيّة فقط، الأمر الّذيّ دفع بالطائفة لكي تكون معيار النظام؛ وقد تم تشكيل نظامٍ انتخابيٍّ لتجسيد الديمقراطية وتمثيل الشعب على أساس بنية المجتمع الطائفيّة. وبما أنّ النظام السياسيّ عليه الاستجابة للواقع، نلاحظ أن التحّولات السياسيّة داخل لبنان لا تعترف سوى بالبنية الطائفية.
الانسجام في لبنان هو على شكلين، ففي شكله الأوّل يَظهر بين المجتمع والسلطة على أساس القانون غير أنّه يجب أن يكون من خلال النظام. ويتمّ استخدام عبارة العيش المُشترك لإظهار الشكل الثاني من الانسجام ولكن بين الطوائف في لبنان.
بما أنّ المصالح الشخصيّة أساس عمل المنظومة السياسيّة، فتسعى مُعظم الأحزاب لتنفيذ أجنداتها سواء من الناحية الداخليّة أو الخارجيّة، لذا يبحث كلّ حزبٍ عن الفرصة المناسبة لأخذ حصّة الأسد والاستفادة الشخصيّة على حساب تلك الوطنيّة. من هُنا ومع اعتراف لُبنان بالمكوّنات الطائفيّة، تمّ الإطاحة وعزل المكوّنات السياسيّة. الأمر الذي جعل معايير السلطة تنحرف عن مبادئ الديمقراطيّة وخاصةً الديمقراطية التوافقيّة.
وبناءً على ما سبق وتقدّم ومع الإطاحة وعزل المكوّنات السياسيّة تمّ اعتماد المحاصصة من قبل المنظومة السياسيّة الفاسدة في لبنان خاصةً في ظلّ الجمهوريّة الثانية.
وتأتي المحاصصة على حساب الديمقراطيّة التوافقيّة في لبنان لتصبح ديمقراطيّةً غير توافقيّة! لذا نعيش اليوم في وطنٍ شعاره الظاهر هو الديمقراطيّة التوافقيّة، لكنّ التطبيق يُظهر المحاصصة سيّدة التوظيفات والتعيينات الإداريّة والقرارات الوطنية السياسيّة المصيريّة…
فما الحلّ لإعادة تفعيل الديمقراطيّة التوافقيّة؟ عندما يريد أهل السياسة في لبنان إصلاح النظام عليهم أخذ قرارٍ جديٍّ بالعمل على تحويل المجتمع من مذهبيٍّ طائفيٍّ تعدّديّ، إلى مجتمعٍ علمانيٍّ متجانسٍ حيث يكون هناك قانونٌ مدنيٌّ موحّدٌ للأحوال الشخصيّة تكون فيه الوحدات مُتجانسة. أو قد يكون هناك حلٌّ آخر كإعادة النظر بالقرار رقم 60 الصادر في 13 آذار 1936 والذي يتكلّم عن “طائفة الحقّ العام” التي تعطي الحريّة للفرد باختيار طائفته بعد بلوغه سنّ الرشد بحسب المادة 11 منه، هو الذي يتكلّم عن الطائفة وليس عن الطائفيّة.
فإذا كانت الطائفيّة سببًا لفشل النظام السياسيّ اللّبنانيّ، علينا المُطالبة بإعادة تجديد النظام من خلال التخلّي عن الطائفيّة بما يتناسب مع بنية المُجتمع المعاصر لإعادة بناء ما تمّ تهديمه في لبنان!