معاقَبون أميركيًّا… مرشَّحون لبنانيًّا
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
انطلق قطار التّحضير للانتخابات النّيابيّة المقبلة، المزمع إجراؤها في 15 أيّار 2022 للّبنانيّين المقيمين على الأراضي اللّبنانيّة، وأولى محطّاته “نشر الغسيل”، من خلال الخطابات العالية السّقف، الّتي لا تخلو من الاتّهامات والتّهديد والمصطلحات المطّاطة، في محاولةٍ لشدّ العصب الطّائفي وتعرية الخصوم؛ الّذين كانوا حلفاء في الأمس القريب. غير أنّ عقبةً أميركيّةً على السّكّة، قد تعرقل بعض المسارات، قبل وصول سالكيها إلى وجهتهم البرلمانيّة.
منذ 15 عامًا تقريبًا، بدأت وزارة الخزانة الأميركيّة بفرض عقوباتٍ على شخصيّات وسياسيّين لبنانيّين، بشبهاتٍ أبرزها التورّط في أعمال فسادٍ ومخالفة القانون ودعم “حزب الله”. سهام العقوبات هذه، الّتي تحمل طابعًا سياسيًّا واقتصاديًّا إجمالًا، أصابت عضوَي كتلة “الوفاء للمقاومة” النّائبين محمد رعد وأمين شرّي في تموز 2019، لاتّهامهما باستغلال النّظام السّياسي والمالي اللّبناني لصالح “حزب الله” وإيران؛ علمًا أنّها كانت المرّة الأولى الّتي تطال فيها العقوبات نوّابًا حاليّين. وبعد جريمة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، أصدرت الولايات المتّحدة الأميركيّة عقوبات بحقّ الوزيرَيْن السّابقَيْن علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، لمزاعم تورّطهما في الفساد وتقديم دعمٍ لـ “حزب الله”.
المفاجأة الأبرز، كانت فرض عقوباتٍ أميركيّةٍ على رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النّائب جبران باسيل، في تشرين الثّاني 2020، بسبب “دوره في انتشار الفساد في لبنان، بموجب الأمر التّنفيذي رقم 13818”. واستند القرار إلى قانون “ماغنيتسكي”، الّذي يستهدف محاربة الفساد والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، والّذي طُبّق للمرّة الأولى في لبنان. أمّا الحلقة الأخيرة من سلسلة الإجراءات الأميركيّة، فتمثّلت بإدراج وزارة الخزانة في تشرين الأوّل 2021، النّائب الحالي جميل السيّد على لائحة العقوبات، بتهمة “تحويل أكثر من 120 مليون دولار، بمساعدة مسؤولٍ حكوميٍّ رفيع المستوى، لاستثمارها في الخارج، بالإضافة إلى الطّلب من السّلطات إطلاق النّار على المتظاهرين”، بعد تجمّع محتجّين أمام منزله خلال تحرّكات عام 2019.
وعلى بُعد أشهرٍ قليلةٍ من الاستحقاق الانتخابيّ المنتظَر، هل من معوّقٍ قانونيٍّ، يمنع المدرَجين على لوائح العقوبات الأميركيّة، من الترشّح إلى الانتخابات النّيابيّة؟
يوضح الخبير الدّستوريّ المحامي سعيد مالك، لـ “هنا لبنان”، أنّ “المادّة 7 من قانون الانتخابات 44/2017، تنصّ على أنّ من يحقّ له أن يكون مرشّحًا هو كلّ لبنانيٍّ أتمّ الـ 25 عامًا، وأن يكون متمتّعًا بحقوقه المدنيّة والسّياسيّة كافّةً وغير مجرّدٍ منها”، مبيّنًا أنّ “مبدئيًّا كلّ الملاحَقين، ولو كانت عليهم عقوباتٌ دوليّةٌ أو من قِبل وزارة الخزانة الأميركية أو حتّى لو كانوا من المدّعى عليهم بجريمة المرفأ أو غيرها، ما دام لم يصدر قرارٌ عن القضاء اللّبنانيّ بتجريدهم من حقوقهم المدنيّة والسّياسيّة، فلا شيء يحول دون تقديم ترشيحاتهم، وخوض الانتخابات النّيابيّة كأيّ مرشّح آخر”.
وأكّد أنّ “المحكوم عليه بجنايةٍ أو جنحةٍ شائنةٍ، أو ضمن إطار جريمةٍ تجرّده من حقوقه المدنيّة أو السّياسيّة، ممنوعٌ عليه الترشّح للانتخابات. أمّا إذا كان ملاحَقًا وما زال ضمن إطار الشّبهة أو الظّن، فهذا مبدئيًّا لا يشكّل حائلًا دون تقديم ترشيحه”.
معضلةٌ أخرى تواجه المعاقَبين الرّاغبين بالترشّح للانتخابات، تتمثّل في اشتراط القانون الانتخابيّ أن يقدّم المرشّح شهادةً مصرفيّةً تُثبت فتح حساب الحملة الانتخابيّة المنصوص عليه في هذا القانون، في حين أنّ إحدى نتائج أو تبعات العقوبات الأميركيّة هي إقفال حسابات المدرَجين على لوائحها، في المصارف اللّبنانيّة الخاصّة.
غير أنّ الحِيَل القانونيّة دائمًا في المرصاد، ويشير مالك في هذا الإطار، إلى أنّ “المادّة 59 من قانون الانتخابات، نصّت على وجوب أن يفتح المرشّح حسابًا مصرفيًّا في مصرفٍ عاملٍ في لبنان، لكنّ الفقرة 6 من المادّة نفسها، نصّت على أنّ من يتعذّر عليه أو يستحيل عليه فتح حسابٍ مصرفيٍّ، (والمقصود بذلك المعاقَبين تحت إطار الإدارة الأميركيّة، إذ تمتنع المصارف عن فتح حساباتٍ لهم تحت طائلة العقوبة)، يحقّ له أن يفتح حسابًا في وزارة الماليّة، شبيهًا بالحساب المصرفيّ الّذي يُفتح في المصارف”. ويلفت إلى أنّه “بالتّالي، أَوجد المشرّع مخرجًا وحلًّا لهؤلاء، بإمكانيّة فتحهم حسابًا في وزارة الماليّة، يلعب دور الحساب المصرفيّ في المصارف”.
وعن إمكانيّة الاستناد إلى العقوبات الأميركيّة وإلى التّهم الّتي ترتكز عليها، للطّعن قانونيًّا بفوز أحد المعاقَبين في السّباق الانتخابي، يؤكّد مالك أنّه “لا يمكن الطّعن بنجاح المرشّح بحجّة أنّه ملاحَقٌ من قِبل أجهزةٍ أو منظّماتٍ أو حكوماتٍ دوليّة. لكن يمكن استخدام ذلك بالسّياسة، وهذا أمرٌ آخر”.
إذًا، لا شيء يمنع المُدرَجين على لوائح العقوبات الأميركيّة من خوض غمار الانتخابات المقبلة، بظلّ غياب أيّ قرارٍ قضائيٍّ لبنانيٍّ يقضي بتجريدهم من حقوقهم المدنيّة والسّياسيّة. وبطبيعة الحال، لم ولن تكون تهمة الفساد عائقًا أمام أحدٍ من تبَوّؤ كرسي النّيابة، والبرلمان الحاليّ خير دليلٍ على ذلك.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |