جميل ريما طار باختراعه إلى أستراليا “مكرّمًا”!… ومسؤولون لبنانيّون تجاهلوا حلّه لأزمة النفايات
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان” :
يخسر لبنان “رأسماله البشري” مع الارتفاع الملحوظ منذ عامين لمعدلات الهجرة والساعين إليها، في ظلّ انهيارٍ اقتصاديّ وطبقةٍ سياسيةٍ لم تنجح حتّى اليوم في إيجاد الحلول ولم تغيّر من نهجها الذي اتّبعته لسنوات. وبات اليأس يتحكّم بالمواطن اللبناني، لا يرى حلًّا سوى الهجرة بعيداً عن وطنٍ افتقد فيه خدماتٍ حياتيّة أساسية وأصبحت شبه معدومة كالكهرباء والمياه والصحة…
غريبٌ أمر هذا البلد، يستعينون بالخبرات الأجنبية في المجالات كافةً ويدفعون لها الأموال الطائلة، فيما دول هذه الخبرات تستعين بالكفاءات اللبنانية.
دولٌ عديدةٌ فتحت أبوابها امام اللبنانيّ معتبرةً إياه قيمةً مضافةً، يساهم من خلال خبرته وعلمه بمشاريع أساسية.
أستراليا هي إحدى الدول الشاهدة على هجرة اللبنانيين منذ القرن التاسع عشر، سارعت لإعطاء أستاذ الكيمياء الفيزيائي والهندسة البيئية الدكتور جميل ريما تأشيرة تُعرف بـ “الفيزا المميزة” The distinguished talent visa تقديراً لإنجازاته، ففي رصيده 12 براءة اختراع و650 بحث علمي.
غادر الدكتور ريما لبنان منذ عام، مؤكّدًا لـ “هنا لبنان” أنه لم يلقَ أيّ تجاوبٍ في لبنان – إن كان من الدولة أو القطاع الخاص- لمشاريعه، على عكس ما قدمته أستراليا له كدولة وقطاع خاص، “ولو لم تكن بحاجة إلى خبراتي لما أعطتني تأشيرة وأنا في هذه السن”.
وتسألون ما هو المشروع الذي يعمل عليه الدكتور ريما في أستراليا ولم يبالِ به المسؤولون في لبنان؟ هو تقنية تحويل النفايات إلى فحم. RPC (Rapid Pulse Carbonization)
نعم، في بلدٍ يعاني من أزمة نفايات، لم يجد المسؤولون أيّ فائدة من هذا المشروع ولكن المسؤولين في أستراليا وجدوا!!
في الواقع يخبر الدكتور ريما “هنا لبنان” أن المسؤولين اللبنانيين تحدثوا معه عن مشروع الـ RPC، إلّا أنهم اكتشفوا أن لا منفعة مادية مباشرة لهم وجلّ ما يستفيدون منه هو معالجة المشكلة، لذلك ذهبوا إلى تبني تقنية المحارق في بيروت مثلاً، وكانوا سيأتون بمحرقة تحرق 700 طن كلّ يوم، وتكلفتها 700 مليون دولار فقط لبيروت وضواحيها.
وبطبيعة الحال، بحسب ريما، كانت ستوزع الحصص على المسؤولين، “بينما التقنية التي نعتمدها كانت ستكلّف نحو 50 مليون دولار وستغطي كلّ لبنان الذي يُنتج نحو أربعة آلاف طن نفايات يوميًّا”.
مشروع الـ RPC الذي سيبدأ العمل به بعد شهر في أستراليا بتشجيع من الدولة الأسترالية وبالتعاون مع القطاع الخاص، كان الدكتور ريما قد تحدث عنه أكثر من مرة في بيروت منذ العام 2014. وهي تقنية التفحيم السريع التي تعتمد على ثلاثة عناصر: الحرارة والضغط ومركب كيميائي هو عبارة عن أنزيم، وتتحول النفايات إلى مواد يمكن الاستفادة منها كالفحم والماء. وهذه التقنية تعالج كل أنواع النفايات العضوية، النفايات المنزلية ونفايات المستشفيات والأدوية المنتهية الصلاحية ونفايات المسالخ.
وبعكس غيرها من التقنيات التي تفرز نفايات سامة أو رواسب ضارة، تعمل هذه التقنية بصفر انبعاثات في الهواء.
مشروع آخر يعمل عليه الدكتور ريما في أستراليا كان قد أطلقه في لبنان أيضاً، مشروع معالجة مياه الصرف الصحي.
وتحدّث في هذا الإطار عن “مشكلة نهر الليطاني حيث تصبّ في مجراه مياه الصرف الصحي والصناعي”، لافتًا إلى “التقنية التي اعتمدت لتكرير مياه الصرف الصناعي قبل أن تصبّ في مياه الليطاني”، و”ترتكز تقنية معالجة المياه المبتذلة على خلق جزيئات حرّة كهرومغناطيسية تقتل البكتيريا والمواد العضوية وتحوّلها إلى ثاني أكسيد الكربون والماء، بما يسمح بتوفير مياه بمواصفات تجعلها صالحة للاستعمال”.
لم يتخلّ الدكتور ريما عن لبنان، بل وطنه هو الذي تخلّى عنه، وبنقمة على المسؤولين اللبنانيين لم يجد كلامًا يتوجّه به إليهم سوى بوصفهم: “لصوص، كيف نأتمنهم على بلدنا وبيوتنا”، متمنيًّا على الشعب اللبناني التوحّد للخروج من جهنم، واختيار الحياة والاستقرار بدلًا منها.
وإذ يتمنى العودة إلى لبنان، إلّا أنّ طموحه بعد إتمام مشاريعه في أستراليا، أن يعمل على إطلاقها عالمياً في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
الدكتور ريما عيّنةٌ لما يفقده لبنان يوميًّا من رصيد الكفاءات التي تشكّل العمود الفقري في أيّ خطة تعافٍ اقتصاديّ، فمتى يُتّخذ القرار السياسي بمقاربةٍ جديّةٍ للأزمة اللبنانية؟ أم أنّ المناكفات ستزداد مع قرب الانتخابات النيابية ويزداد معها يأس اللبناني والحلم بالهجرة!
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |