بعد أن تجاوز القطاع الصّناعي أزماته كيف سيكون واقعه خلال 2022؟
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
بعد أن شهد القطاع الصناعيّ نهضةً وأثبتت الصّناعة الوطنية جدارةً عاليةً بتلبية احتياجات السّوق الخارجيّة والمحليّة خلال العام 2021، وبعد أن حقّقت أرباحاً بنحو 3 مليارات ونصف مليار دولار في عام 2020 منها مليار و300 مليون دولار من البلدان العربية، أتت الأزمة بين لبنان وبعض الدول الخليجية لتقفل الأبواب في وجه أرزاق اللبنانيين وتحرمهم من أكبر سوقٍ للاستيراد، وتهجّر الصناعيين من بلدٍ باتوا يدفعون فيه ثمناً باهظاً جداً، نتيجة عجز دولتهم عن تحمّل مسؤوليّاتها تجاههم. فكيف سيكون واقع القطاع الصناعيّ خلال العام 2022؟
نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش يقول لـ “هنا لبنان”: “رغم الظروف الصّحية والاقتصاديّة الصّعبة التي مرّ بها لبنان، إلا أنّ القطاع الصّناعي بقي صامداً خلال العام 2021 حيث سجّل تقدّماً وازدهاراً بعد أن أثبت المنتج اللّبناني جودته وقدرته على تلبية الأسواق الخارجيّة والداخليّة، خصوصاً بعد أن سجّلت الصّناعة 70% من السّوق المحلّي.
ويشير إلى أنّ الأزمة الاقتصاديّة ساهمت في انخفاض الاستيراد بنسبةٍ كبيرةٍ، الأمر الذي أعطى فرصاً أكبر للمنتجات المحليّة لتنمو وتزدهر في السوق المحلّي وبأسعارٍ تنافسيّة.
وبعد هذه النّهضة يتوقّع بكداش عدم استمرار هذا الواقع في الأعوام المقبلة، بعد أن تأزّمت العلاقات بين لبنان وبعض الدول الخليجيّة، وعلى رأسها المملكة العربيّة السعوديّة، إثر تصريحاتٍ لوزير الإعلام اللّبناني جورج قرداحي وبعض السّياسيين ما ساهم في توجيه ضربةٍ موجعةٍ للقطاع بوقف السعودية والبحرين حركة الاستيراد والتصدير مع لبنان.
ويضيف بكداش: “بهذا القرار ستقدّر خسائر لبنان بمئات ملايين الدولارات، ما يترك تداعياتٍ كبيرةً على الاقتصاد اللبنانيّ المتهالك أصلاً، ويؤدّي لفقدان عشرات الآلاف وظائفهم وهجرة المزيد من المصانع إلى الخارج”.
ويوضح أنّ بعض المصانع اضطرّت إلى نقل بعض الخطوط أو كلّها إلى الخارج، فمنها من توجّه أصحابها إلى مصر، ومنها إلى عمان والإمارات، وآخرون إلى قبرص للتّواصل مع أوروبا والبلدان العربيّة كلٌ حسب وضعه.
ووفق أرقام جمعية الصناعيين تدرس 25% من المصانع في لبنان الإقفال أو الانتقال أو أن تبقى هنا وتفتح مصنعاً لها في الخارج، خصوصاً بعد أن تراجعت المبيعات في السوق المحليّة ما بين 40% و60%.
وفيما يتعلّق بموضوع الدولار الجمركي، يلفت بكداش إلى أنّ أيّ زيادةٍ على السّعر في ظلّ هذه الظّروف الاقتصاديّة ستنعكس سلباً على المستورد والمستهلك، لأنّ أيّ زيادةٍ في أسعار السلع والمواد ستؤدّي إلى انكماشٍ في السّوق.
ويشدّد على ضرورة زيادة الدولار الجمركيّ بشكلٍ مدروسٍ وتدريجيّ، وأن يكون على أساس سعر 8000 ليرة للدّولار الواحد.
وفي ظلّ صمتٍ مطبقٍ من الحكومات المتعاقبة، والتي غيّبت أيّ خططٍ لدعم القطاع الصناعي، يدعو بكداش الحكومة اللّبنانية إلى وضع خطّةٍ اقتصاديّةٍ شاملةٍ متكاملةٍ لكافّة القطاعات بهدف إنقاذها من الانهيار الشامل، متمنيّاً على كلّ الأفرقاء السياسية أن يرأفوا بالمواطن وأن يعاود مجلس الوزراء جلساته مجدّداً لمعالجة الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
من جهته، يرى الخبير الاستراتيجيّ البروفيسور بيار الخوري أنّ القطاع الصناعي يشهد منذ بداية الأزمة عام 2019 نموًّا فاق كلّ التّوقعات، ومن غير المنطقيّ أن يشهد هذا الاتّجاه تراجعاً في المستقبل لأيّ سببٍ كان، لبنان يعاني من مشكلةٍ جذريّةٍ في توفّر العملات الأجنبية التي كانت تؤدّي إلى تفضيل اختيار السّلع المستوردة في السابق، وساعدت الأزمة الحاليّة في تجاوز مفاعيل القانون الجمركيّ للعام 2000 والذي قضى بتخفيض الرسوم الجمركيّة على كافّة البضائع المستوردة بشكلٍ جذريٍّ، ما أدّى إلى تدمير 80% من الصّناعيين اللّبنانيين.
ويتابع الخوري، “العام 2022 سوف يعطي بعداً أكبر للقطاع الصناعي إذا ما تمّ تعديل ورفع تسعير الدولار الجمركي بما يؤدّي إلى غلاءٍ إضافيٍّ في البضائع المستوردة. الملاحظ أنّ القطاع الصناعيّ قد تميّز خلال الأزمة بمرونةٍ واسعةٍ سمحت له بتلبيةٍ سريعةٍ لحاجات السوق المحليّة، بما يتلاءم مع مستوى الدّخل المنخفض الذي عانى منه المستهلك اللّبناني والمقيم وما زال”.
ويضيف، “صحيحٌ أنّ هذا القطاع فيه تشوّهاتٌ كبيرةٌ وربّما سببها الأساس المصانع غير الرّسمية وأيضًا التّعرّض للتّهريب، لكنّ ذلك لم يمنع هذا القطاع من النّموّ لأنّ فيه استثماراتٍ وخبراتٍ متراكمة سمحت بمقارنة جودة السّلع المحليّة التي لا تقلّ عن السّلع المستوردة، خصوصاً في المصانع العريقة أو ذات الاستثمارات الكبرى. كما أنّه من الملاحظ أنّ المصانع اللّبنانية اليوم تبرم اتّفاقاتٍ مع شركاتٍ دوليّة لتصنيع الماركات الدوليّة في لبنان وهذا أيضًا سيفتح آفاقًا كبيرة أمام هذه الصناعة، وسيوسّع خيارات المستهلك اللّبناني عند مستوى الدّخل الجديد المنخفض”.
وفيما لو تنوي بعض المصانع هجرة لبنان تماماً كما فعلت “الأدمغة”، يقول: “ليس هناك أسبابٌ جوهريةٌ تدفع هذا القطاع للهجرة. لقد انتظر القطاع الصناعيّ أكثر من 20 عاماً هذه الفرصة لخدمة البلد ولتوفير جزءٍ عزيزٍ ممّا كان ينفقه اللّبنانيون على الاستيراد والحفاظ عليه في لبنان وخلق فرص عملٍ للبنانيين.
صحيحٌ أن لا أحد كان يتمنى أن تحصل الأمور بهذه الطريقة، أي أن يكون نموّ القطاع الصّناعي على حساب الانهيار الاقتصادي، ولكن بسبب سوء السّياسات هذا ما حصل. ولو قدّر لهذا القطاع أن يتمّ احتضانه من خلال استراتيجيّةٍ وطنيّةٍ للنّموّ، لكنّا رأينا القطاع ينتج 40% من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، أي أكثر ممّا كان ينتجه قبل الحرب الأهلية.
بإمكان هذا القطاع أن يتوسّع إلى الخارج ولكنّ هذا لا يعني بالضرورة الهجرة، ومؤخّراً حصلت زيارةٌ لغرفه التجارة وجمعية الصّناعيين إلى دولة عمان، وهناك تمّ توقيع اتّفاقاتٍ تسمح للصّناعيين اللّبنانيين بتوسيع صناعاتهم إلى تلك الدّولة الشّقيقة، وفي الوقت نفسه تسمح بتصدير البضائع المصنّعة محلياً.
ويشير إلى أنّ المشكلتين الأساسيتين اللتين تواجهان القطاع اليوم هما، المشكلة الأولى، هي العلاقة المتوتّرة مع المملكة العربية السعودية وضرورة إيجاد حلٍّ لموضوع التصدير إلى تلك السوق الكبيرة، ولكن في الوقت نفسه يستفيد القطاع دائمًا من توسّع السوق الداخلية ومن الميزة التّنافسية له في التّصدير إلى مختلف أسواق العالم بما في ذلك أسواق لم يكن متاحاً الدخول إليها بتاتًا قبل الأزمة بسبب ارتفاع الكلفة.
والمشكلة الثانية التي تحتاج إلى حلٍّ هي كلفة الطاقة، وهي أيضًا أحد العوائق في سبيل منافسة أوسع لهذا القطاع. اليوم هناك مشاريع للتّحول نحو الطّاقة النّظيفة في القطاع الصّناعي، وهذا سيخفّض بشكلٍ جذريٍّ كلفة الصّادرات اللّبنانية.
وشدّد الخوري على أنّه حتى الآن ما من معطياتٍ عن انهيار القطاع، ولكن هناك مشاكل جوهرية بحاجةٍ إلى حلولٍ جذريةٍ أولّها العمل على إنشاء مجلسٍ للصادرات يفوّض بصلاحياتٍ واسعةٍ، أوّلها الإعفاءات الجمركيّة وتشريع المصانع غير المرخّصة ووضع ضوابط جودة لعملها، وفتح أسواق جديدة عبر اتفاقات مع الخارج، ونشير هنا إلى ضرورة الشروع بالاستفادة من إدراج لبنان ضمن مبادرة الحزام والطريق وما يمكن أن يشكّله ذلك لكلٍّ من الصناعيين كما القطاع الزراعي على صعيد الصادرات.
ويختم بالقول إنّ أولويّة النموّ وإعادة تموضع خطاب ولغة السياسيين بما يخدم ذلك هي مسألة فائقة الأهمية، داعياً إلى تحييد المصالح الحيوية للشّعب اللبناني عن الصراعات المحلية والإقليمية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |