هل يعلم باسيل أنّ إصبع السيد لم تعد كما كانت؟
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان” :
من راقب ردّة الفعل الأولية للبيان الصادر عن الثنائي الشيعي بشأن الموافقة على العودة إلى جلسات مجلس الوزراء، يتبيّن له أنّ هناك فريقين لم تظهر عليهما آثار الارتياح، هما: “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.
قد تكون للأخير، أي “التيار” أسبابه كي يظهر متشكّكًا، لكن ما هو غير مفهوم أن يكون الحزب، وهو أحد طرفي الثنائي الشيعي، قد ظهر وكأنّه غير فرحٍ بما فكّ عقدة الحكومة ولو بشروط. فهل من يستطيع أن يحلّ لغز ثنائي تفاهم مار مخايل؟
بدايةً، فلنتوقّف عند كلٍّ من قناة “المنار” التلفزيونية التابعة لـ “حزب الله”، وقناة “أو تي في” التابعة لـ “التيار الحر” في النشرة المسائية التي أتت بعد أقلّ من ساعةٍ تقريبًا من صدور بيان الثنائي الشيعي السبت الماضي.
ففي مقدّمة نشرة أخبار “المنار” جاء: “بلدٌ معلّقٌ على منصّات الصيرفة المالية والإعلامية والقضائية، والمواطن دائمًا هو من يدفع الثمن”. أمّا في مقدّمة “أو تي في” فقد جاء: “بلد العجايب والغرايب. هذا هو لبنان اليوم. فالعماد ميشال عون، المعارض الأول للمنظومة وجرائمها، قبل الرئاسة وبعدها، يحمله البعض مسؤولية كل شيء”.
وهكذا، يمكن ملاحظة، أنّ الحزب والتيّار لم يبديا ارتياحًا لفكّ عقدة تعطيل الحكومة طوال أشهر.
في المعلومات، إنّ الحزب بشخص نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، الذي أطلّ قبل وقتٍ قصيرٍ جدًّا من بيان الثنائي الشيعي، كان يتحدّث وكأنّ البلاد لم تكن مقبلةً على مرحلةٍ، ولو مؤقتّةٍ، من الانفراج. بل راح قاسم يركّز على قضية المحقّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وكأنّه أولويّة الأولويّات. وبدا أنّ الرجل الثاني في “حزب الله” عبّر ولو لم يصرّح بذلك، عن أنّه ليس مستعجلًا، مثلما كان المكوّن الآخر للثنائي، أي الرئيس نبيه بري الذي كان أكثر تعبيرًا عن هول بلوغ سعر صرف الدولار ما فوق 33 ألف ليرة، ما شكّل بداية “تسونامي” أي الموجة العالية والتي راحت تبتلع كلّ لبنان لا فرق عندها بين شيعي وغير شيعي.
ماذا عن “التيار الحر”؟
هنا الحكاية تطول. فمعالم صورة العهد في عامه الأخير بدأت تتكامل. العنوان البارز في هذه الصورة، أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون في السنة السادسة والأخيرة من ولايته الحالية في حالة انحدارٍ، وهي الأكثر انحدارًا منذ أن وصل الجنرال إلى قصر بعبدا في نهاية تشرين الأول عام 2016. وكم كانت معبّرةً عن هذا الانحدار، الذي هو عمليًّا انهيارٌ بكلّ ما للكلمة من معنى، الطريقة التي تحدّث بها بالأمس لصحيفة “الجمهورية” رئيس “التيار ” النائب جبران باسيل عن لقائه الأخير بالأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله، قائلا:” إنّ اللقاء مع السيد تأتي منه دائمًا العافية”!
إذاً، العام 2022، مكتوبٌ يمكن قراءته من عنوانه. ففي مستهلّ أيام السنة الجديدة، أطلق الرئيس عون دعوةً إلى حوارٍ بين الأقطاب، سرعان ما لفظت أنفاسها سريعًا. ووفقًا للمثل القائل، “عذر أقبح من ذنب”، كان البيان الصادر عن الرئاسة الأولى الذي حمّل رافضي دعوته وهم وفق التسلسل الزمني: الدكتور سمير جعجع، الرئيس سعد الحريري، النائب السابق وليد جنبلاط والنائب سليمان فرنجية، “مسؤولية ما يترتب على استمرار التعطيل الشامل للسلطات، حكومةً وقضاءً ومجلسًا نيابيًّا”.
ثم فجأةً، أخذ العهد برئاسته وتياره البلاد إلى حربٍ لـ “قبع” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على غرار حرب “حزب الله” لـ “قبع” القاضي البيطار. وربما كانت المفاجأة التي لم يتوقعها العهد وتياره، أن يبادر سلامة برعاية من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبمشاركة وزير المال يوسف الخليل إلى اتخاذ تدابيرٍ قلبت الأوضاع في سوق صرف الدولار مقابل الليرة. ومن يتأمّل قليلًا، يجد أنّ قاعدة “الترويكا” التي حكمت لبنان منذ اتّفاق الطائف عام 1989، والتي تضم الرئاسات الثلاثة، قد جرى اعتمادها في معالجة أزمة انهيار صرف الليرة، والتي أوصلت الدولار إلى ما فوق الـ 33 ألف ليرة، وأعادته إلى دائرة 20-30 ألف. لكن هذه المرة كانت الترويكا تضم رئيس مجلس النواب ممثَّلًا بوزير المال ورئيس الحكومة. أما رئيس الجمهورية فلم يكن موجودًا وحلّ مكانه حاكم مصرف لبنان وكأنّ الأخير يمثّل بدلًا عن ضائع، أي رئيس الجمهورية الفعلي.
إنّها مرحلةٌ جديدة، ومن معالمها أنّ العهد يسرع في الانحدار إلى قعر فشلٍ لا مثيل له منذ العام 2016. ومهما علا صراخ النائب باسيل وقيامه بإطلاق النار في كل الاتجاهات، إلا في اتجاه “حزب الله” فلن يوقف هذا الانحدار. إنّ باسيل الذي ينشد “العافية” عند السيد، فكأنه يقول في عام العهد الأخير، أنّ العهد مريضٌ وجلّ ما يطلبه هو “عافية” من الحزب كي يشفى. ربما ما يطلبه باسيل قد جاء متأخرًا جدًّا. فما كان باستطاعة حارة حريك أن تقدمه لميرنا الشالوحي عندما كانت إصبع السيد ترتفع فتطاع، قد أصبح ذلك من الماضي. فهل تبصّر باسيل بما آلت إليه مفاوضات فيينا وحرب اليمن والانتخابات في العراق مرورًا بما يجري اليوم في سوريا وصولًا إلى لبنان، كي يعلم أنّ إصبع السيد لم تعد كما كانت؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |