احتياطي الذهب في لبنان: ما مدى ارتباطه بالتضخّم؟ وما مصيره؟
كتبت ريما داغر لـ “هنا لبنان” :
ربّما من المفاجئ معرفة أنّ لبنان الذي يمرّ بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، يأتي بالمرتبة الثانية عربيّاً من حيث احتياطي الذهب لديه. ويبلغ رصيده 286.8 طناً، ما يمثل 43.3 % من مجموع الاحتياطات، حسب ما نشر موقع “فوربس” في شهر أيلول 2021.
يعتبر الذهب ملاذاً آمناً في الأزمات، حيث يلجأ إليه الكثيرون للاحتراز من مخاطر أزمات التضخّم. أما الاحتياطي منه الذي يحتفظ به المصرف المركزي، فهو ضمان لحاملي الأوراق المالية أو أقرانهم التجاريين أو لتأمين العملة. ويمكن أن يستخدم الذهب في تسوية المعاملات الدولية ولو نادراً.
وتلجأ الدول تاريخياً، لبيع ذهبها في البنك المركزي من أجل الحصول على السيولة في حلّ مشاكلها الداخليّة، كما تستخدم احتياطات الذهب في تسوية المعاملات الخارجيّة.
أما في الحالة اللبنانية، فماذا يعني تصدّر لبنان المرتبة الثانية من حيث الاحتياطي؟ وهل يستطيع لبنان استخدام ذهبه لسدّ العجز النقدي وحلّ مشكلة التضخّم؟
في ظلّ الحديث عن الأزمة النقديّة اللبنانية، تُثار المخاوف حول التصرّف باحتياطي الذهب الذي كان دائماً بعيداً عن التداول.
ويذكر أن ثلثي الاحتياطي موجود في المصرف المركزي في بيروت، أما الثلث المتبقي فهو في الولايات المتحدة الأميركية. وبالرغم من أن هذه النسبة هي ملك المصرف المركزي اللبناني، إلّا أن الولايات المتحدة الأميركية لا تفرج بسهولةٍ عنه، تبعاً لتجاربها التاريخية في هذا المضمار مع البلدان التي تحتفظ لديها بنسبة من مخزونها من الذهب.
وبالنسبة للمسّ باحتياطي الذهب، فإن القانون اللبناني لعام 1986 منع المسّ به إلّا بموافقة مجلس النواب حيث جاء في النص:
“بصورةٍ استثنائية، وخلافًا لأي نص، يمنع منعاً مطلقاً التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه مهما كانت طبيعة هذا التصرّف وماهيته، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب”.
لقد عمدت الدولة اللبنانية منذ خمسينيّات وستينيّات القرن الماضي إلى شراء كميّاتٍ كبيرةٍ من الذهب من الأسواق العالميّة بغية تأمين تغطية فعليّة لقيمة الليرة اللبنانيّة في حالات عدم الثبات الاقتصادي.
وعام 1947 انضمّ لبنان إلى صندوق النقد الدولي الذي اعترف بالليرة اللبنانيّة بعد فكّ ارتباطها بالفرنك الفرنسي، فامتلك لبنان لأول مرة عام 1948 الذهب بمقدار 1.5 طنّ وذلك وفق بيانات مجلس الذهب العالمي، وحدّدت قيمة العملة الوطنية بما يوازي 0.455 ملغ من الذهب، وسعر صرفها تجاه الدولار بـ2.20 ليرة آنذاك.
تتابعت عملية شراء الذهب مع الحكومات اللّاحقة، إلى أن أصدرت الولايات المتحدة الأميركية أواخر السبعينيات قراراً بفكّ ارتباط كل العملات العالميّة بالذهب، وفرض الدولار بديلاً له كاحتياطي يغطّي قيمة العملات الأخرى. فصدر بعدها قرار من المصرف المركزي اللبناني قضى باعتماد سعر صرف متحرّك للّيرة يتمّ تحديده نهاية كل شهر وفقاً للسوق. إلّا أن الذهب بقي يستحوذ على حصّة وازنة ويُعدّ من ثروات البلدان الوطنيّة.
إذاً، ونظراً لتفكّك ارتباط العملات بالذهب، لا يمتلك احتياطي الذهب أي تأثير على استقرار الليرة أو ثبات سعرها، إلّا أنه يعتبر من أغلى المعادن في السوق، ويبقى ملاذاً آمناً في حال الأزمات. ولا يعود التراجع في قيمة احتياطي الذهب، إلى قيام البلاد بالسحب منها وتسييلها واستخدام النقد الأجنبي، بل هو مرتبط بتراجع أسعار الذهب عالمياً.
وبالعودة إلى الاحتياطي اللبناني من الذهب، فالقانون واضح من جهة عدم التفرّد بقرار التصرّف به، وحتى اليوم لم تتمّ المطالبة بذلك. أما الثلث المتواجد في الولايات المتحدّة الأميركية، فهو في خطر لمجرّد قبول لبنان بشرط التقاضي أمام المحاكم في نيويورك في حال التخلّف عن سداد الديون أو في ظلّ “إفلاس الدولة” وتنفيذ الحجز عليها. وإن الولايات المتحدة الأميركية تشتهر بأنّها لا تعيد الذهب إلى أصحابه عند طلب ذلك، بل تضع شروطًا وعراقيل، كما حصل مع العديد من البلدان مثل ألمانيا وهولندا وتركيا. بالتالي، فإن الذهب اللبناني خاضع لسلطة القضاء الأميركي، وبالتالي وفي حال نشوب أي نزاع قضائي بين الدولة اللبنانية وأي فريق آخر فإن صلاحية البت هي للقضاء الأمريكي وليس اللبناني.
وفي الخلاصة، إن احتياطي الذهب الموجود في لبنان ليس بعيداً عن الخطر في ظلّ غياب حوكمة مالية رشيدة للأزمة وفي إطار غياب للسياسات النقدية الفاعلة، كما أن ما تبقّى من الاحتياطي في الولايات المتحدة الأميركية يعتبر بعيد المنال، فلا يبقى سوى الأمل بإجماع القوى السياسيّة يوماً ما على إنقاذ آخر ما تبقّى من ثروات لبنان.