سدّ المسيلحة… مثلٌ إضافيّ عن المشاريع الفاشلة
كتبت فاتن الحاج حسن لـ “هنا لبنان”:
بمحاذاة قلعة المسيلحة الأثريّة وعلى أحد ضفاف نهر الجوز، يقع سدّ وبحيرة المسيلحة، الذي كان واعداً لمنطقة البترون الساحليّة بوفرةٍ في المياه، بالرغم من تشويهه المنظر الطبيعي الخلّاب لسهل وقلعة المسيلحة.
أنشئ مشروع سدّ المسيلحة لتأمين مياه إضافيّةٍ للشّفة والصناعة. وكانت الأعمال في السدّ قد بدأت في آب 2014 وانتهت عام 2019، وبدأت عمليّة ملء البحيرة بالمياه مطلع عام 2020.
وتُقدّر الكميّات التي سيؤمّنها مستقبليّاً بحوالي 30 ألف مترٍ مكعّبٍ يوميّاً، وهي تشكّل الحاجات الإضافيّة في الأعوام ما بين 2035 و2040. كما يؤمَّل منه أن يساهم في دعم ريّ مساحة 1500 هكتار من المساحات الصالحة للزراعة والمرويّة حاليّاً جزئيّاً في ساحل البترون من مصادر مياهٍ غير كافيةٍ في ساحل البترون وساحل الكورة.
يبلغ ارتفاع السدّ 35 متراً، بطول 450 متراً، وسعته تبلغ ستّة ملايين مترٍ مكعّب.
تقييم الأثر البيئي:
منذ اللحظة الأولى لإنشائه، طُرحت حول السدّ إشكاليّات عديدة، ومنها:
أنّه من دون دراسة تقييمٍ مسبقةٍ للأثر البيئي لتنفيذ المشروع وموافقٍ عليها من قبل وزارة البيئة، تكون وزارة الطاقة قد خالفت المادّة 21 من قانون حماية البيئة رقم 444/2002 والمرسوم التطبيقي له (أصول تطبيق تقييم الأثر البيئي رقم 8633/2012).
وحول هذه المخالفة، كانت الحركة البيئيّة اللبنانيّة وبتاريخ 13/8/2014، قد تقدّمت بشكوى أمام وزارة البيئة عن أعمال ردمٍ وطمرٍ تجري في سهل المسيلحة الزراعي وتهدّد الموقع الأثري، فجاء ردّ وزارة البيئة في 12/9/2014 ليفيد بأنّ الوزارة تحرّكت للتحقّق وتبيّن أنّ الأعمال الجارية في سهل المسيلحة الزراعي جاءت تنفيذاً لمشروع سدّ وبحيرة المسيلحة دون إقامة دراسة تقييم الأثر البيئي.
وقد توجّهت وزارة البيئة بكتابٍ إلى الجهات المعنيّة لتوقيف الأعمال لحين تزويدها بدراسة تقييم الأثر البيئي لمراجعتها واتّخاذ القرارات المناسبة بشأنها عملاً بالقوانين المرعيّة. إلّا أنّ وزارة الطاقة لم تعر بالاً بهذا الكتاب وبالإجراءات التي فرضتها وزارة البيئة، واستكملت الأعمال على حساب المناطق الزراعيّة والمساحات الخضر والمنطقة الأثريّة.
عدم ملء البحيرة:
وظهرت المشكلة الأخرى عند البدء بملء البحيرة، حيث فشل الملء ما تسبّب بحربٍ إعلاميّةٍ شاركت فيها مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيّدٍ ومنتقدٍ لمشروع السدّ، فيما وصف البعض السدّ بالمشروع الفاشل.
وحيال الحملة التي شُنّت على السدّ وعلى وزارة الطاقة، أوضحت الأخيرة أنّ “أعمال التجارب في السدّ والبحيرة ما زالت تُستكمل، وأنّ الإدارة لم تجرِ عمليّة الاستلام المؤقّت كون تنفيذ بعض الأشغال المكمّلة والتجارب الضروريّة ما زالت مستمرّة”.
وسرعان ما ردّت الحركة البيئيّة اللبنانيّة على وزارة الطاقة وقالت : “إنّ ادّعاء الوزارة بعدم انتهاء الأعمال هو عذر أقبح من ذنب. فقد أعلنت في آب 2019 أنّ أعمال المشروع سوف تنتهي في عام 2019، وأنّ السدّ ستبدأ تعبئته في الشتاء المقبل. وفي 6 كانون الثاني من العام 2020، تمّت تعبئة ما نسبته ثلث الخزّان، في احتفالٍ علني”. ولكنّ معيار نجاح السدّ – بحسب الحركة – لا يُقاس بامتلائه في كانون الثاني أو خلال فترة العواصف، وإنّما “بفائدته خلال موسم الشحّ”.
وطالبت الحركة البيئيّة القضاء بوضع اليد على ملفّ سدّ المسيلحة كما فعل بملفّ سدّ بريصا. وأكّدت أنّ سدّ المسيلحة الذي دمّر مساحاتٍ كبيرةً من وادي نهر الجوز التاريخي هو مشروع غير مجدٍ ويشكّل هدراً للمال العامّ.
السبب العلمي لعدم جدوى السدّ:
بعيداً عن التفسيرات غير العلمية والشائعات غير الصحيحة (ومنها أنّ البحيرة المقامة خلف السدّ لا تضبط المياه)، فإنّ آراء الخبراء تتّفق على أنّ سبب عدم جدوى السدّ وبالتالي عدم قدرته على تجميع المياه في البحيرة يعود إلى أمرَين اثنين:
الأوّل أنّ موقع السدّ يحاذي المصبّ، ما يجعله عرضةً لتجمّع الترسّبات والوحول وترقيدها خلف الحائط.
والثاني هو الحاجة المستمرّة لاستخدام المضخّات المكلفة لنقل المياه بسبب ضعف الجاذبيّة.
وإلى الآن، لا يزال سدّ المسيلحة موضع أخذٍ وردّ، فيما الواقع يبيّن بوضوحٍ أنّ البحيرة لم تمتلئ بالمياه حتّى في فصل الشتاء.
فهل انضمّ سدّ المسيلحة للائحة السدود الفاشلة في لبنان؟
وهل تستمرّ وزارة الطاقة بسياسة السدود العشوائيّة ذاتها؟
ومن يحاسب الوزراء المتعاقبين على وعودهم الزائفة ومشاريعهم غير المنجزة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
قطاع تربية النحل بين الإهمال الحكومي والاهتمام الأممي | فؤاد شهاب .. “الرئيس القائد”! | متلازمة الفيبروميالجيا: الأسلوب الأفضل للعلاج |