الحريري يودّع الحياة السياسية.. والحكومة تستأنف “إدارة الأزمة”
على الرغم من الحركة التي تزايدت في الأيام الأخيرة في لبنان وتجاهه، إلّا أنّه ليس في الإمكان حتى الآن القول إنّ فيها بركة تبشّر بانفراجات داخلية جدّية في أي مجال. ذلك أنّ الخريطة الداخلية ما زالت محكومة لعوامل تعقيد على كلّ الصعد الاقتصادية والماليّة والاجتماعيّة، وكذلك على المشهد السياسي، في ظل العلاقات المسمومة بين مكونات الإنقسام الداخلي، وما يتسارع في هذا المشهد من تطوّرات وإرباكات سياسية، تجعل من الصعب استشراف المستقبل لا القريب ولا البعيد، حيث لا أحد في الداخل اللبناني، وربما في الخارج، يبدو قادراً على التنبؤ بأيّ قدر من الدقّة، حول ما سيؤول اليه الوضع في لبنان، وهو الامر الذي من شأنه استشراف أرجحية أنّ المرحلة المقبلة حبلى بسيناريوهات واحتمالات مفاجئة على كلّ صعيد.
وإذا كانت الحكومة قد تنفّست الصعداء، وعادت بالأمس الى استئناف جلسات مجلس الوزراء بعد أشهر من التعطيل، إلّا أنّ المأمول منها خلال فترة الاشهر القليلة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية في ايّار المقبل، لا يتجاوز حدّ تمرير ما يمكن تمريره من بنود وقرارات عاديّة، و”مسكّنات” في بعض المجالات، ضمن حدود الإمكانات المتاحة لها في هذه المرحلة، التي يقاربها كل الأطراف على أساس انّها انتقالية، جوهرها تقطيع الوقت لا أكثر، وخصوصاً انّ الولادة القيصرية للحلول والمخارج للأزمة التي تعصف بلبنان لم يحن اوانها بعد، وخارج قدرة الحكومة الحالية على اجتراحها.
على أنّ وهج عودة الحكومة الى انتظام عملها بعد التعطيل السياسي لجلسات مجلس الوزراء، قد بدا خافتاً خلافاً لما يشتهي اهلها، وإن كانت هذه الحكومة قد تلقّت جرعة معنوية، بشبه الإنفتاح الخليجي عليها، عبر المبادرة التي نقلها وزير الخارجية الكويتي الشيخ احمد بن نصار المحمد الصباح بإسم مجلس التعاون الخليجي، وخريطة الطريق التي تضمنتها لإعادة ترميم العلاقات مع لبنان. ومردّ هذا الخفوت إلى أنّ الوقائع السياسيّة التي بدأت تتسارع في موازاتها، والمرتبطة تحديداً بقرار الرئيس سعد الحريري بالإنكفاء هو وتيار “المستقبل” عن الحياة السياسية، وبالتالي عن الاستحقاق الانتخابي، محفوفة بالخشية من أن تخلق وقائع سياسية جديدة، وارتدادات وتأثيرات على مجمل الرّقعة اللبنانية السياسية وغير السياسيّة، وهو الامر الذي بدأ يدفع منذ الآن، الى إحاطة مصير الاستحقاقات المقبلة بعلامات استفهام، وفي طليعتها الاستحقاق الإنتخابي في أيّار المقبل، الذي بدا يُقارب من أوساط ومستويات سياسية مختلفة على قاعدة تشاؤمية، مفادها انّ تعطيل الانتخابات تحت الرماد.
وسط هذه الصورة، يبدو لبنان على المفترق الصعب على ما يقول مرجع مسؤول لـ”الجمهورية”، ويضيف، “أنّ العالم كلّه ينظر في هذه الفترة بعين القلق الى لبنان جراء الحجم الكبير من التعقيدات فيه، سياسيّاً واقتصاديّاً وماليّاً. وهذا لطالما كنا وما زلنا نحذّر منه، وضرورة المسارعة الى اتخاذ الخطوات الإنقاذية السريعة من الحكومات السابقة والحكومة الحالية. قبل ان نصل الى وضع تتولّد عنه سلسلة متتابعة من النتائج التي يفوق حجمها السلبيّات التي توالت منذ 17 تشرين الاول من العام 2019 وحتى اليوم”.
على انّ المرجع الذي يشدّد على “إجراء الانتخابات النيابية في موعدها مهما كلّف الأمر، ذلك انّ عدم إجرائها هو خطيئة كبرى تُرتكب بحق لبنان”، اعتبر “أنّ المبررات التي ساقها الرئيس سعد الحريري لإخراج نفسه، مع تياره السياسي، من اللعبة البرلمانية والانتخابية في هذا الوقت بالذات ليست مقنعة، لا بل متسرّعة، تنطوي على مجازفة وخطأ فادح، وقد قيل مثل هذا الكلام بشكل مباشر للرئيس الحريري. لا أقول إنّ الحريري مضغوط، بل أقول إنّ له أسبابه وقناعاته، وما علينا في مرحلة ما بعد اتخاذ قراره. كنا نتمنى لو انّ هذا الأمر لم يحصل، وخصوصاً انّه قد يؤسس لاحتمالات غير متوقعة، وبالتالي ليس علينا في مرحلة ما بعد هذا القرار سوى العمل على احتواء أي تداعيات”.
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت مقاطعة الحريري وتيار “المستقبل” للانتخابات النيابية، ستجرّ مقاطعات مماثلة من قوى سياسية تعتبر الانتخابات بلا المكوّن السنّي الأول لا تتسمّ بسلامة وصحّة التمثيل، قال المرجع: “لا أستطيع ان أستبق التطوّرات، انما في مطلق الأحوال ينبغي السعي الى النأي بالانتخابات النيابية في أيّار عن أيّة مؤثرات تؤدي إلى تعطيلها، وخصوصاً انّه إذا ما وقع هذا التعطيل، فلا احد في استطاعته أن يقدّر صورة المشهد آنذاك وحجم التعقيدات والإرباكات السياسية وربما غير السياسية التي قد تحصل فيه”.
وكان الرئيس الحريري قد أعلن من “بيت الوسط” قراره بتعليق مشاركته ومشاركة تيار “المستقبل” في الانتخابات النيابية المحدّدة في ايار المقبل. وقال: “لا شك انّ منع الحرب الاهلية فرض عليّ تسويات، من احتواء تداعيات 7 ايار إلى اتفاق الدوحة الى زيارة دمشق إلى انتخاب ميشال عون إلى قانون الانتخابات، وغيرها. هذه التسويات، التي أتت على حسابي، قد تكون السبب في عدم اكتمال النجاح للوصول لحياة افضل للبنانيين. والتاريخ سيحكم”.
المصدر : الجمهورية
مواضيع ذات صلة :
السفير السعودي في بيروت الأسبوع المقبل؟ | العودة الخليجيّة المرتقبة: هذه خلفيّاتها وأهدافها وحدودها! |