اللاحصريّة الإداريّة في لُبنان … مُفتاح لتطبيق اللامركزيّة
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان” :
تُشرقُ شمس لبنان في كلّ صباحٍ وتحمل معها قراراتٍ، قوانين، مشاكل وأخبار جديدة تقع على كاهل الشعب اللّبناني الّذي لم يعد يحتمل المصائب. وفي ظلّ جائحة كورونا وعدم إستخدام المكننة الكافية في الإدارات الرسميّة، يُعاني اللّبناني في كلّ يومٍ من الروتين الإداريّ لتخليص المُعاملات وخاصةً الرسميّة منها.
مرافق الدولة العامة تُدار بحسب النِظام بشكلٍ لا تتداخل مع بعضها، حيث أنّ التنسيق يقوم بحسب القوانين المُشرّعة التي لا تخالف دساتير الدُول. جاء التنظيم الإداري في الدول اللّيبراليّة للمحافظة على سيادة الدولة ووحدتها؛ ويأتي هذا التنظيم ليكون جزءًا من نظامٍ سياسيّ يتولّى عملية تخطيط وتنظيم الجهاز الحكومي. بناءً على كل ما سبق وتقدّم أي نظام إداريّ يُطبّق من خلال الدستور اللّبنانيّ؟ وما هو مُستقبل هذا النظام؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ الدستور اللّبنانيّ ومنذ نشأته أي في عشرينيّات القرن الماضي كرّس التنظيم الإداريّ المركزيّ في الدولة اللّبنانيّة، من هُنا كانت تنمية المدن الأساسيّة وضواحيها حيث الإدارات الرسميّة وفروعها على حساب المناطق الأخرى. وكان اعتماد اللاحصريّة الإداريّة ضمن النظام المركزيّ أساس تطبيق عدم حصر جزء من المُعاملات بمنطقةٍ واحدةٍ.
اللاحصريّة تُطبّق على عدّة مستويات كالمُحافظات والقائمقاميّات، المخاتير ونواطير اللّيل بإستثناء البلديات كون القانون يعطي البلديات لا مركزية في تطبيق عملها … وبموجب المرسوم الإشتراعي رقم 11 تاريخ 29/12/1954 قسّم لبنان إلى محافظاتٍ خمس وفي العام 1975 أضيفت محافظة سادسة واليوم يوجد تسعُ محافظاتٍ في لبنان، لكنّ هذه المحافظات ليست سوى تقسيمات إداريّة لا تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة، إذ تجتمع ضمن إطار كلّ محافظة مختلف دوائر الدولة بما فيها الدوائر العسكريّة.
ونلاحظ أنّ دور المحافظ شبيه بنظيره الفرنسيّ كون دستور لبنان مستوحى من ذاك الفرنسيّ؛ ويقوم المحافظ الّذي يعاونه مجلس بإدارة أجهزة وزارات المحافظة بإستثناء وزارتي العدل والدفاع كونه الرئيس الأعلى على موظفي محافظته، وهو وسيط التواصل مع الإدارات المركزية بالإضافة إلى كونه الرئيس المُباشر لقائمقاميّ الأقضية التابعة له وكان قد وضع المشرّع بعض الإستثناءات لمحافظة بيروت.
إذاً إنّ المحافظ هو صلة الوصل بين الإدارة المركزيّة والجماعات الأخرى، فيرسل تقاريره الدوريّة إلى وزارة الداخليّة كونه خاضع لسلطة رؤسائه التسلسليّين.
بالإضافة إلى المحافظات يشمل مبدأ اللاحصريّة القائمقامية أيضاً، فكلّ محافظة تشمل عدّة أقضية على رأس كلّ منها قائمقام يمارس الصلاحيات منفرداً دون مساعدة أي مجلس، يتولّى المحافظ ضبط سلوكه إذ لا تتجاوز صلاحيات القائمقام سوى إعطاء الرخص كإستثمار المقالع وإعطاء الرخص في الأماكن غير الداخلة في النطاق البلديّ وفرض تدابير صحيّة …
مع الصلاحيات المحصورة بالإدارة للقائمقام والمحافظ بإستثناء محافظ بيروت الّذي يتمتّع بجزء من الإستقلاليّة الماليّة أيضاً؛ ومع إعتماد اللامركزيّة الإداريّة في لبنان من خلال البلديّات ليس من الصعب علينا تغيير أو تعديل النظام لكي تحلّ اللامركزيّة الإداريّة بدل تلك المركزيّة.
فإذا كانت اللاحصريّة الإداريّة عنصرًا موجودًا في المؤسسات المركزيّة، وهي تفويض مباشر للصلاحيات مع وجود مرونة في أخذ القرارات، وتعطي النظام المركزيّ قوّة أكبر حيث تعود القرارات إلى ممثّلي الدولة داخل كلّ منطقة وهم الأدرى بمصلحة منطقتهم، ممّا يجعل التفلّت من القانون أمرًا أكثر صعوبة. فإنّ اللامركزيّة هي التنازل عن بعض الصلاحيات وليس تفويضها، وهذا التنازل يكون لمصلحة مسؤولين محليين منتخبين.
ظهرت اللامركزيّة الإدارية بالدستور اللّبناني بعد تعديله في تسعينيات القرن الماضي في مدينة الطائف، وبعد أن ركّزت وثيقة الوفاق الوطني على وحدة الدولة اللّبنانيّة، وتمّ ذِكر اللامركزية الإداريّة مع إعطاء صلاحيات أكبر للمحافظين والقائمقاميّين وإنتخاب مجلس يعاون القائمقام في كلّ قضاء وإعادة النظر بالتقسيمات الإداريّة.
نلاحظ أننا نعيش في لبنان لامركزية إداريّة جغرافيّة من خلال البلديات التي لم يعد عملها وحدها كافٍ لتحقيق التنمية المحليّة. الإنماء المتوازن بين المناطق يكون من خلال إعتماد لامركزيّة إداريّة موسّعة بدايةً وماليّة لاحقاً بهدف جعل المجتمع اللّبناني أكثر إنسجاماً دون تفاوت تنمويّ بين المناطق.
اللامركزيّة الإداريّة في لبنان ليست صعبة التطبيق، كونها ليست سوى صلاحيات إضافيّة تجعل المحافظات والأقضية تتمتّع بإستقلاليّة أكبر؛ فيتمّ العبور من اللاحصريّة إلى اللامركزيّة. وبما أنّ المجلس النيابيّ لم يطبّق بعد ما أقرّ بعد تعديل الدستور، هل ستكون الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، المدخل لتشريع قوانين تطبيقيّة للّامركزيّة الإداريّة التي سبق وأقرّت؟