كي لا يكون مستقبل لبنان أكثر بؤساً!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
ليس صحيحاً أنّ حركات الاعتراض السلمي الديمقراطي في التجارب التاريخيّة كان مصيرها الفشل المحتوم. غاندي قدّم المثال الأكثر إبهاراً. إنّه الخيار الذي لا مفرّ من سلوكه طالما أنّ الخيارات البديلة إمّا لا تكون متوفّرةً أو أنّ اعتمادها يؤدّي عمليّاً إلى نتائج كارثيّةٍ ومدمّرةٍ كالنزاعاتِ المسلّحة والدامية التي يدفع ثمنها الأبرياء أولاً وأخيراً.
في لبنان، بانتظار تشكّل موازين قوى جديدة بعد الاختلال العميق الذي يعتري الواقع الراهن، يبدو من الضروري الحفاظ على وتيرة الاعتراض السلمي للإبقاء على الحد الأدنى من الدور التاريخي للبنان ورسالته في الانفتاح والتعدديّة والتنوّع، وإلا فالمستقبل سيكون أكثر بؤساً وسواداً من الوضع الحالي.
على الرغم من أنّ المشهد العربي والدولي لا يوحي بأنّ ثمّة إمكانيّاتٍ جديّةً، أقلّه في هذه اللحظة السياسيّة، لتشكيل رافعةٍ ما للقوى الحيّة في لبنان التي تناهض استلحاقه بمحاور إقليميّةٍ معروفة الأجندات والأهداف؛ إلّا أنّ ذلك لا يلغي ضرورة مواصلة الكفاح السلميّ والتصدّي بكلّ الوسائل السلميّة والديمقراطيّة للمحاولات الحثيثة لتغيير الهويّة الوطنيّة والعربيّة للبنان وجرّه نحو محاور ومواقع تسير عكس التاريخ وتستغلّ الورقة اللبنانيّة لما يقع على طرفَيْ نقيضٍ مع مصلحته الوطنيّة العليا.
إذا كان البعض في لبنان يقارن في هذه المرحلة التي شهدت عزوف تيار المستقبل ورئيسه عن مواصلة العمل في الحياة السياسيّة بالحقبة التي سبقت اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005؛ ولكن ثمّة مساحة أخرى لا بد من استذكارها في سياق هذه المقارنة الموضوعيّة تتّصل بالخيارات والمسارات التي سلكتها القوى الديمقراطيّة بعد الاغتيال، تحديداً في ذاك الاجتماع الشهير في قصر قريطم وقد خيّمت عليه رهبة الاستشهاد وفداحته.
لو أنّ اللبنانيين استكانوا في تلك الحقبة ولم يرفعوا سقف المواجهة السلميّة التي تُوّجت في المشهد العارم في 14 آذار، لكان المسار الوطني قد سلك خياراتٍ مغايرةً تماماً. كان هناك من يخطّط لردم حفرة الاغتيال مقابل فندق “السان جورج” في غضون يومين وتزفيت الطريق وكأنّ شيئاً لم يكن. رحم الله الشهداء، ولتستمرّ الحياة في ظلّ إطباقٍ كاملٍ على الحياة السياسيّة وتأبيد فترة الوصاية على لبنان إلى ما لا نهاية.
لكنّ انتفاضة الاستقلال السلميّة والديمقراطيّة التي أعلنها النائب الراحل سمير فرنجية من كليمنصو غيّرت الاتّجاه الوطني وصوّبت البوصلة إلى مسارها الصحيح، وأعطت إشارةً واضحةً إلى “المجتمع العربي والدولي” بأنّ هناك قوًى حيّةً في لبنان لن تخضع لإرادة البعض بالسيطرة القسريّة عبر التصفية الجسديّة والترهيب والاغتيال والقتل، بما يُذكّر بحقباتٍ غابرةٍ من التاريخ.
اليوم، الظروف مختلفةٌ تماماً. الوضع الدوليّ مغايرٌ بشكلٍ مطلق. لبنان ليس على أجندات الدول الكبرى، ولو أنّه ليس متروكاً بالكامل بل ثمّة ضغوطٌ متواصلةٌ للتأكيد على إجراء الانتخابات النيابيّة في فصل الربيع المقبل، ولإطلاق الإصلاحات الاقتصاديّة المنتظرة والتفاوض مع صندوق النقد الدولي بما يتيح وضع لبنان على سكة التعافي التدريجي والخروج من القعر السحيق الذي انغمس فيه نتيجة سياسات النكد والمناكفات والإلغاء.
لا بدّ من الانطلاق من نقطةٍ ما، وتحقيق ذاك التوازن الدقيق بين عدم السكوت والخضوع لمشيئة ضرب هويّة لبنان ومصادرة سيادته، وبين تفويت الفرصة على أولئك الذين لا يتوانون عن اللجوء إلى العنف إذا اقتضت مصلحتهم المباشرة القيام بذلك ولو على حساب لبنان واللبنانيين.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |