المبادرة الكويتية: كيف ضيّع لبنان الفرصة؟
كتب فيليب أبي عقل في “Ici Beyrouth“:
فشل المسؤولون اللبنانيون في اغتنام الفرصة الذهبية التي قدمتها الكويت بمبادرة من دول الخليج والهيئات العربية والدولية لإنقاذ لبنان.
لم يدرك المسؤولون نطاق وأبعاد هذه المبادرة التي تتزامن مع سلسلة من المستجدات في المنطقة والعالم وأحداث سيكون لبنان محور النقاش فيها، من بينها: القمة العربية، قمة الاتحاد الأوروبي، والاجتماع الخاص لمجلس الأمن لبحث الأزمة اللبنانية.
يجهل أهل السلطة في لبنان ما يعنيه عدم مد اليد للخطوة الكويتية الرامية لخلاص لبنان، إذ كان يتوّجب عليهم تأكيد وجود الدولة والتمسك بها، ووضع مصلحة لبنان قبل كل شيء.
بعد الأزمة مع دول الخليج بادر وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح تجاه لبنان، بصفته مبعوثاً عربياً ودولياً، وكان على رئيس الجمهورية ميشال عون أن يبادر من جهته إلى استدعاء رئيس المجلس ورئيس مجلس الوزراء لاجتماع “الترويكا” كما جرت العادة منذ اتفاق الطائف، لإظهار جدية لبنان وتقديره لنهج الكويت.
هذا الاجتماع كان سيشكّل رداً على من يتهم لبنان بأنه رهينة لحزب الله ويعمل لصالح الأجندة الإيرانية.
وكان من المفترض أن يكون الرد اللبناني منطلقاً لتسهيل عملية حل الأزمة، لذا كان على بعبدا والسراي الحكومي صياغة رد مستوحى من اجتماع “الترويكا”، بتغطية قانونية ودستورية، وتقديم هذا الرد إلى مجلس الوزراء، لإشراك القوى السياسية المختلفة في العملية ومنحها صفة الوثيقة الوطنية، غير أنّ شيئاً لم يحدث في هذا السياق، وكأن البعض أصرّ بالتزامن مع هذه المبادرة على إظهار عدم وجود أي اتفاق داخلي لا على الثوابت والسيادة والاستقرار ولا على احترام وثيقة الوفاق الوطني والدستور والقانون، فكل هذه العناصر هي مجرد وجهة نظر للبعض ما أضعف موقف لبنان في التجاوب مع المبادرة.
في الإطار نفسه، طفا إلى السطح الخلاف حول الصلاحيات الدستورية وأي طرف يجب أن يكون مسؤولاً عن الرد، فزوّد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي قصر بعبدا بآرائه، وعمل مستشارو الرئيس ميشال عون على الرد بعد التشاور مع حزب الله تجنباً لأي مشاكل و كي لا يتم “تعريض السلم الأهلي والاستقرار والوحدة الوطنية للخطر”.
وبحسب المعلومات، فعل نجيب ميقاتي ذلك لتجنب أيّ توتر داخل الحكومة، لا سيّما وأنّها استأنفت العمل مؤخراً، بعدما كانت معرقلة لحوالي 3 أشهر بسبب مقاطعة الثنائي الشيعي على خلفية الخلاف حول ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.
وتقول مصادر سياسية عربية إنّ الجهة التي ترعى المبادرة تريد ردوداً كتابية واضحة على النقاط الـ12 التي طرحت، فالمطلوب إجراءات ملموسة، من بينها انسحاب حزب الله من اليمن وسوريا وسائر الدول العربية التي يتدخل بها.
ورداً على الوثيقة، علم أنّ لبنان قد طلب من شخصيات خليجية بارزة على علاقة جيدة بالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل إقناع تل أبيب بسحب قواتها من مزارع شبعا وتلال كفرشوبة، إضافة إلى تشكيل لجنة لبنانية خليجية مشتركة لتصحيح الخلل في العلاقات. ومع ذلك، لم يكن رد بيروت مرضيًا، وفقًا لمصادر مطلعة.
ويرى دبلوماسيون غربيون في الرد خطأً فادحًا، إذ “ليس لدى المسؤولين اللبنانيين أي فكرة عما ينتظرهم”. وقد فشل هؤلاء، أي المسؤولين، في اغتنام الفرصة الكويتية، مع اقتراب العديد من الاستحقاقات والتي ستحضر على جدول أعمالها الأزمة اللبنانية.
وتشير هذه المصادر إلى أن القادة اللبنانيين غير مستعدين لتلك المرحلة، بل وأكثر هم منغمسون في جدالاتهم حول جنس الملائكة.
وتشدد المصادر على أنّ الحكومة اللبنانية لم تدرك أهمية الحراك الدبلوماسي، وتستخف بدعوات عواصم صنع القرار للاتفاق على رؤية مشتركة للخروج من الأزمة كي يساعد المجتمع الدولي لبنان قبل آذار المقبل.
وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، فإنّ العقوبات ستقع قريباً على لبنان وعلى مسؤولين لبنانيين، من بينها وقف التحويلات والصادرات وحظر إقامة البعض، ناهيك عن العقوبات التي ستستهدف حزب الله.
وكانت المبادرة الكويتية قد جاءت في إطار منطق اليد الممدودة، وكـ”فرصة أخيرة” لإنقاذ البلاد، خاصة وأنّ الكويت “أكثر الدول العربية اعتدالاً، وتحافظ على علاقات طيبة مع جميع شركائها في العراق”، كما أنّها ساهمت ذات مرة في إنهاء الحرب في لبنان.
كذلك لعبت الكويت دورًا في إنهاء الصراع بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، وتتمنى الآن إيجاد صيغة للتنسيق بين لبنان والخليج، بشرط أن تلبي بيروت الشروط المفروضة عليها.
يبقى السؤال الأساسي: أين يريد لبنان أن يضع نفسه اليوم: تحت المظلّة العربية أم إلى جانب إيران؟
وبحسب طبيعة الرد اللبناني على المبادرة، يبدو أنّ بيروت تحت سطوة حزب الله وأسلحته ستختار طهران، واللافت انّ حزب الله التزم الصمت حيال المبادرة تاركاً الدولة تغرق.
مرة أخرى، كرمى لعيون طهران الجميلة وفروعها المحلية يعرض الحزب الدولة اللبنانية لكل المخاطر، دون أن يكون مدركاً للتغيرات السياسية.
مواضيع ذات صلة :
بعد تصريح “بشخطة قلم”… وزير الخارجية الكويتي يدعو سلام لسحب تصريحاته! (فيديو) | وزير الخارجية الكويتي: العلاقة مع لبنان عضوية وفي السراء والضراء |