داعش في طرابلس.. إيران تستفيد و”تصفّق”!
كتب إيلي زيادة لـ”ici beyrouth”:
عادت قضية شباب شمال لبنان الذي انضموا إلى داعش في العراق في الشهور الأخيرة إلى الواجهة من جديد. فما هو عددهم الفعلي؟ وما هو السياق الاجتماعي والسياسي الذي تسبب بهذه الظاهرة؟ وما علاقتها بحزب الله وإيران؟
ليل السبت – الأحد قُتل ستة لبنانيين خلال عمليات استهدفت تنظيم الدولة الإسلامية – داعش في العراق. وأفادت مصادر أمنية عراقية نقلاً عن الوكالة الوطنية العراقية، بأنّ لبنانيين من طرابلس وشمال لبنان قتلوا بغارات جوية خلال عمليات مكافحة الإرهاب، والتي جاءت رداً على هجمات التنظيم الدامية في الأسابيع الأخيرة، من بينها الهجوم الليلي الذي استهدف قاعدة عسكرية في ديالى، الأمر الذي أسفر عن مقتل 11 جندياً عراقياً.
ومع إعلان السلطات العراقية “انتصارها” على داعش نهاية عام 2017، إلا أن الخلايا النائمة للتنظيم تواصل العمل في العراق وسوريا، وتتألف من شبان يجندون من مختلف المناطق بما في ذلك لبنان.
وكانت أنباء قد وردت في مطلع كانون الثاني عن “اختفاء مفاجئ” لعشرات من الشباب السنّة من شمال لبنان، ومن طرابلس خصوصاً، وزعم أنّ هؤلاء انضموا إلى داعش، ووفق وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، فإن “37 شاباً لبنانياً انضموا إلى التنظيم ، 10 منهم غادروا الأراضي بشكل قانوني عبر مطار بيروت”، مضيفاً “منذ آب 2021 قتل شخصان لبناني وفلسطيني” في العراق.
الهروب من الفقر و الحرمان
ما هو عدد هؤلاء الشباب اللبنانيين الذين “اختفوا” بحسب أهاليهم منذ بداية العام للانضمام إلى صفوف ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” وكيف تمكنوا من مغادرة البلاد والوصول إلى العراق؟
من المهم أن نلحظ منذ البداية أن لا أرقام مؤكدة وأن المعلومات التي توردها وسائل الإعلام حول هذا الموضوع متناقضة، إذ أفاد بعضها بأن “مئات” من الشبان قد انضموا إلى المنظمة، علماً أنّ هذا الرقم يبدو مبالغاً فيه.
إذ كان من الممكن ملاحظة اختفاء “المئات” من اللبنانيين، كما أنّ انضمام هذا العدد الكبير للتنظيم الإرهابي يعني أنّ المنطقة ستكون بالفعل تحت سيطرة الجهاديين.
في المقابل، يقدر خبراء أمنيون عدد حالات الاختفاء الفعلية بأقل من 100، وحتى الآن، يُقال إن حوالي 50 شابًا هم في عداد المفقودين، من بينهم 15 فقط اتصلوا بأقاربهم وأخبروهم أنّهم خارج الأراضي اللبنانية، أي بين سوريا والعراق على الأرجح..
فيما أعلن الوزير مولوي عن مقتل ثمانية منهم في مطلع كانون الثاني، وآخرون قتلوا من قبل السلطات العراقية يوم الأحد الماضي.
وبحسب شقيق أحد القتلى الذي سقطوا في العراق، فقد فرّ 140 شخصًا من لبنان “خوفًا من أن ينتهي بهم الأمر في السجن”، مضيفاً “شقيقي بريء وليس له علاقة بقضية الجهاد برمتها أو غيرها من السجلات الإجرامية”.
الرواية التي تقول بأنّ الشبان يهربون خوفاً من أن يتم القبض عليهم من قبل السلطات لارتكابهم جرائم مختلفة، بعضها حقيقي وبعضها ملفق، رواية معقولة وفق مصادر مطلعة، وتذكّر المصادر بالطريقة التي تعاملت فيها أجهزة المخابرات مع المتظاهرين في طرابلس في كانون الثاني 2021، حيث سُجن العديد منهم لأسابيع بتهم “الاشتباه في الإرهاب” قبل الإفراج عنهم.
ويعتبر هؤلاء الشباب العدالة اللبنانية “انتقائية وتعسفية”، وأنّ “الدولة بيد حزب الله”.
وقالت المصادر نفسها إنّ الشبان باتوا يشعرون بأنهم “كبش فداء”، إذ تمّ تحميلهم المسؤولية عن كل العلل التي تصيب البلاد.
يضاف إلى كل ما سبق المماطلة في محاكمات الموقوفين، والذين يقبعون لفترات طويلة في السجون، ويتحملون ظروفاً صحية مأساوية قبل إصدار الأحكام النهائية بحقهم.
وإذا أضفنا إلى ذلك الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تفاقمت مع الأزمة، والتي زادت من تردّي أوضاع شريحة من المجتمع كانت فقيرة في الأساس، فإننا نجد أنّ كل العوامل تدفع بهؤلاء الشباب إلى الهرب، فهم بكل الأحوال مطاردون وقد خسروا مستقبلهم.
ووفق ما يقول مستشار مركز دراسات الإرهاب، بديع كرعاني لـ “Ici Beyrouth”، فإنّ “المنظمة هي التي تسدد ديون هؤلاء الشباب التي تتراوح بين 100 و200$ إضافة إلى تكاليف تهريبهم، والتي قد تصل إلى 5000 دولار أميركي وفق ما أوردت العديد من وسائل الإعلام”.
ويضيف: “المنظمة تعدهم برواتب تتراوح بين 500 و 1000 دولار أمريكي بمجرد انضمامهم إلى صفوف داعش”.
وتتفق الروايات المختلفة المطروحة حول هذه الظاهرة على نقاط معينة:
– بدء تجنيد الشباب السنة بعد اغتيال عنصر المخابرات المتقاعد أحمد مراد الملقب بـ “أبو زياد” مراد ، في آب 2021.
– اعترافات العديد من الشباب بعد هذا الاغتيال، والتي سمحت بتفكيك خلية جهادية في باب التبانة، وفي حينها كان العديد من أعضائها قد غادروا المنطقة لتبدأ حملة مطاردة اعتقل خلالها العديد من الأشخاص.
– بسبب الذعر ، فضل العديد من الشباب مغادرة لبنان على المخاطرة بالقبض عليهم وسجنهم.
– في نهاية عام 2021 اعتقلت مخابرات الجيش خمسة شبان غالبيتهم من القاصرين وهم في طريقهم إلى العراق.
داعش صفقة رابحة لطهران
وبحسب الروايات المختلفة المنقولة، كانت المنظمة قد تواصلت مع الشبان وأغرتهم بمبالغ متواضعة، غير أنّها على قلتها تعد ثروة للعائلات التي تضررت كثيراً جراء الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وفي لبنان.
وبعد ذلك يتم تهديد هؤلاء الشباب بالسجن أو حتى ابتزازهم، وهكذا يصبح الرحيل إلى العراق أفضل بنظرهم، ما دفع بعضهم إلى المغادرة عبر مطار بيروت الدولي إما في رحلات مباشرة أو عبر تركيا.
وهؤلاء الشبان لصغر سنهم، كانوا أقل عرضة للملاحقة من قبل أجهزة المخابرات.
وهنا لا بد من السؤال: كيف تمكنوا من الطيران من دون إذن الوالدين المطلوب؟ تمّ منحهم أذونات مزورة؟ كل شيء محتمل.
يوضح كرعاني أنّ “بعض الشبان غادروا عبر منطقة وادي خالد العكارية، والبعض الآخر عبر البقاع”.
هذا وتعتبر بعض المصادر أنّ بعض الأجهزة، الرسمية وغير الرسمية ، ستدفع، في لعبة خبيثة ولأغراض سياسية، هؤلاء الشباب إلى التطرف من أجل “شيطنة طرابلس وتصويرها على أنّها صورة قندهار الجديدة، ومعها المجتمع السني بأكمله”.
وفي اتصال مع الزميل أحمد عياش، حمّل وزير العدل الأسبق والمدير السابق لقوى الأمن الداخلي، أشرف ريفي، المسؤولية لحزب الله لكونه سيكون المستفيد الأوّل من إحياء داعش لإظهار أنّ الفريق المعارض أصبح متطرفًا، وأنّ على الحزب أن يلعب مجدداً دور حامي الأقليات من التكفيريين.
ويسأل ريفي عن هوية الذين سمحوا لهؤلاء الشباب بعبور سوريا للوصول إلى العراق، علماً أنّ هذه المنطقة الحدودية آمنة للغاية.
في المقابل يقول كرعاني: “بحسب رجال الدين في طرابلس فإنّ الشبان الذين انضموا إلى داعش، لم يضطروا إلى تمويه توجهاتهم أو انتماءاتهم الدينية عند عبورهم الأراضي السورية وحواجز الميليشيات الموالية لإيران، كحزب الله أو اللواء الفاطمي (حزب الله الأفغاني)”، وكأنّ النظام السوري يسّر عبورهم، في مشهد يذكرنا بالباصات المكيفة التي أعدها حزب الله والتي سمحت لمقاتلي داعش بمغادرة الحدود اللبنانية السورية في نهاية معركة “فجر الجرود” التي نفذها الجيش اللبناني ضد المجموعات الإرهابية في آب 2017.
وبحسب كرعاني، فإنّ الحشد الشعبي، أي الميليشيا العراقية الموالية لإيران ترفض تسليم أسلحتها غير المشروعة إلى الدولة العراقية، وبالتالي هي ستستغل ظهور “الدولة الإسلامية” من جديد، لتبرير رفضها نزع سلاحها، وللإشارة إلى ضعف القوات العراقية التي تطالب بحل الميليشيات المدعومة من إيران.
ومن الواضح أنّ النظام الإيراني سوف يصيب عصفورين بحجر من خلال السماح بمرور مقاتلين وبالتالي إحياء داعش من جديد، ما يجعله أكثر تهديداً، وما يمكن إيران من تعزيز قوتها المسلحة في لبنان والعراق.
هذا هو الهدف، إعادة إظهار التطرف السني لتبرير وجود الميليشيات الإيرانية.
وهذه اللعبة التي اعتمدها النظام السوري في لبنان منذ عقود، واستكملها حزب الله منذ العام 2005، بحثًا عن شرعنة دائمة لسلاحه في وقت يسود الخلاف حوله ويسيطر على المشهد السياسي المحلي والإقليمي.
وانطلاقاً من هذه اللعبة، يحاول الحزب تقديم نفسه كمنقذ للأقليات الخائفة من التطرف، وهذا الأمر عنصر أساس من الدعاية التي تهدف إلى تعزيز “تحالف الأقليات “.
وأوضح وزير الداخلية بسام مولوي، أنّه يتابع ملف طرابلس بشكل يومي لأن “الصورة الحقيقية لطرابلس ليست صورة التطرف والإرهاب التي يسعى البعض إلى إسنادها إليها”.
علماً أنّ هذه الشيطنة ليست حديثة ولا بريئة، وهنا يسأل أقارب هؤلاء الشباب عن إجابات، وهؤلاء أنفسهم كانوا قد حذروا الأجهزة الأمنية من الاختفاء المفاجئ لأولادهم في محاولة لفهم ما يحدث.
وبحسب كرعاني، فإنّ الجيش يعمل بضمير حي لقطع الطريق أمام جميع أنواع الشائعات: “لقد كانت مخابرات الجيش واضحة، الهدف هو تجنب التطرف”.
وهنا تأتي حادثة اعتقال 5 شبان الشهر الماضي وتسليمهم بعد استجوابهم إلى مفتي طرابلس المؤقت الشيخ محمد إمام، بحضور أحد مشايخ طرابلس المعروف بمواقفه الاستفزازية، هذا الأمر كان رسالة واضحة من الجيش وأجهزة المخابرات لتحميل رجال الدين مسؤولية أفعالهم وأقوالهم.
ويبدو أنّ المراجع الدينية السنية في شمال لبنان قد فهمت هذه الرسالة، وأدانت منذ ذلك الحين في خطاباتها وخطبها تجنيد وإرسال شباب سنّة من الشمال إلى العراق وسوريا.
وهكذا سيحاول الجيش منع تطرف الشباب بالتعاون مع العائلات والسلطات الدينية، وهكذا أيضاً يتم مراقبة الأشخاص المنغمسين في شبكات إرهابية واعتقالهم.
وهذا لا يمنع أنّ المخابرات ستتصرف بشكل مختلف مع الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 16 عامًا، فالأجهزة الأمنية مدركة سهولة السيطرة على الشبان في هذا العمر، وهنا لن يحل السجن المشكلة بل سيفاقمها.
ووفق كرعاني فإنّ الصعوبات المالية والإهمال العائلي وتجييش بعض رجال الدين سمح بتجنيد هؤلاء الشباب السنة، كما أنّ العديد منهم ما زالوا مفقودين.
وهناك مخاوف لدى بعض الجهات الدينية والسياسية من أن يتم استخدام هؤلاء الأشخاص في عملية أمنية كبيرة في لبنان قبل الانتخابات التشريعية في أيار 2022.
وهنا يعتقد اللواء أشرف ريفي أن حزب الله قد يستخدم هؤلاء الشباب أو داعش، “ليس فقط لتشويه صورة الفريق المعارض، ولكن ربما أيضًا لإلغاء الانتخابات التشريعية المقبلة من خلال حدث أمني أو توترات في طرابلس”، وذلك وفق ما نقل أحمد عياش لـ “Ici Beyrouth”.
ونقلاً عن مصادر مطلعة، يرى كرعاني أن “بعض هؤلاء الشبان ما زالوا في لبنان ويختبئون خوفًا من السلطات، فيما تشجعهم عائلاتهم والمراجع الدينية والعسكرية على الاستسلام”.
ويتزايد الحديث عن “مأزق سني”، خاصة مع عزوف زعيم تيار المستقبل سعد الحريري عن العمل السياسي، وشمال لبنان وطرابلس هما اليوم بؤرة هذا المأزق، حيث يتم استغلال المجتمع السني في الشمال، وطرابلس على وجه الخصوص، لأغراض سياسية من أجل تعزيز الانقسامات بين اللبنانيين. وهذه الشيطنة يسهّلها، أحيانًا ظلم الدولة تجاه اللبنانيين عمومًا، ولا سيما تجاه العاصمة الشمالية، إضافة إلى تمنّع السياسيين لعقود عن تطوير المدينة ومساعدة الناس فيها على الخروج من الفقر.
علاوة على ذلك، فإنّ زعماء طرابلس، أصحاب الملايين، يكتفون بشعارات جوفاء وشعبوية دون القلق بشأن الاحتياجات الحقيقية للسكان.
إن غياب الدولة ببساطة قد مكّن المافيا والشبكات الإرهابية من دخول لبنان والخروج منه عبر حدود يسهل اختراقها، والمضحك أنّ الدولة لا تزال تعتمد على حسن نية نظام الأسد، فيما يتم حالياً دفع الشباب إلى التجنيد واستغلال يأسهم لزجهم في المعارك الأيديولوجية.
هؤلاء الشبان إما أن يموتوا جوعاً في شوارع مدينتهم، أو يموتون ظلماً في السجون، أو غرقاً في البحر بحثًا عن بعض الأراضي الموعودة، أو يتحولون إلى وقود من أجل تعزيز الأيديولوجيات العمياء.
وهذا من أكثر الوجوه البغيضة لتعاسة اللبنانيين اليوم.
مواضيع ذات صلة :
في لبنان ما يستحق الحياة | نعيماً يا قاسم! | الجيش الإسرائيلي: استهدفنا مقرات قيادة لـ”الحزب” في الضاحية |