هوكشتين انتزع تنازلاً لبنانيًّا وإسرائيليًّا وهكذا أجاب عن العقوبات على باسيل
كتبت نوال الأشقر لـ “هنا لبنان” :
يبدو جليًّا أنّ الإدراة الأميركيّة تربط بين ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من جهة، ومساعدة لبنان على حلٍّ جزئي لأزمة الكهرباء من جهة ثانية، على قاعدة أنّ تحقيق تقدّم في الملف الأول سيفتح الباب أمام الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة، والعكس صحيح. أكثر من مؤشر يؤكّد ذلك، فالمبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتين الذي زار لبنان كوسيط في ملف ترسيم الحدود، خصّص المساحة الأكبر من إطلالاته الإعلامية، لأزمة الكهرباء “نحرز تقدماً جيداً في الوصول إلى ترتيب مع البنك الدولي وتسهيل تمويل شراء الغاز وآمل أنه في غضون أسابيع يمكننا القيام بذلك، يجب أن نرى شيئاً ناجحاً وتمرير الإصلاحات الضرورية”. أكثر من ذلك، بدا هوكشتين وكأنّه يطرح مقاربة علاجيّة شاملة لأزمة الكهرباء “على لبنان أن ينظر إلى الموارد الطبيعية التي يتمتّع بها كالرياح والطاقة الشمسيّة”.
قد يكون شبك الملفين جزءًا من استراتيجية أميركيّة للضغط على لبنان من بوابة حاجته للكهرباء ليقبل بالتنازل. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المقترح الأميركي في مجال الكهرباء يعود إلى ستة أشهر، ففي 19 آب عام 2021 تلّقى الرئيس ميشال عون اتصالاً هاتفياً من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، أبلغته قراراً من الإدارة الأميركية يقضي بـ “متابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن والغاز المصري عبر سوريا”. وعلى رغم مضي كل هذه الفترة الزمنية لم يحصل لبنان بعد على أيّ منهما، لا بل أنّ اتفاقيّة استجرار الغاز من مصر لم تُوقّع بعد، وعلى ما يبدو دونها صعوبات تتعلّق بضمانات تريدها مصر لاستثناء العمليّة من عقوبات “قيصر” وليس الإكتفاء بـ “رسالة تطمين”. وهو الأمر الذي تطّرق إليه هوكشتين بقوله إنّه سيعمل شخصيًّا لتسهيل إقرار الخطوة الاميركية حيال الغاز المصري الشهر المقبل.
هوكشتين في بيروت: ترغيب وترهيب
في قراءة لنتائج جولة الوسيط الأميركي، يرى الخبير الإستراتيجي العقيد المتقاعد أكرم سريوي أنّ هوكشتين يستخدم اُسلوب الترغيب والتهريب في المفاوضات مع لبنان “فهو رغم التكتّم الرسمي على تفاصيل المباحثات التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين، أوضح في أحاديثه، أنّ على لبنان الإسراع في الاستفادة من ثروته النفطية، ملمّحاً إلى إمكان خسارته مستقبلاً هذه الفرصة، لعدة أسباب، منها تراجع الاهتمام العالمي بمصادر الطاقة الأحفورية، لصالح مصادر الطاقة المستدامة والصديقة للبيئة. وأوضح هوكشتين أنّ لبنان الذي يعاني حالياً من أزمة اقتصادية خانقة، يجب أن يُقدّم بعض التنازلات للوصول إلى صفقة في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل”.
تنازل لبنان عن الخط 29 وإسرائيل عن خط هوف
سريوي وفي حديث لـ “هنا لبنان” رأى أنّ هوكشتين حقّق عدة نقاط “أهمها تنازل لبنان بشكل شبه رسمي عن التمسّك بالخط 29 الذي طرحه الوفد العسكري كأساس للتفاوض، وخلال زيارته لقيادة الجيش سمع الوسيط الأمريكي كلاماً واضحاً عن التزام الجيش بالقرار الذي تتخذه السلطة السياسية، والمقصود هنا طبعاً تجاهل الخط 29 والعودة إلى الخط 23 الذي طرحه الرئيس نبيه بري سابقاً، كمنطلق للتفاوض لترسيم الحدود البحرية”.
أضاف سريوي “هناك معلومات أن هوكشتين حصل أيضاً على تنازل إسرائيلي عن التمسّك بخط هوف، الذي قسّم المنطقة المتنازع عليها، والبالغة 860 كلم مربع، حيث أعطى هذا الخط 490 كلم مربّع للبنان مقابل 370 كلم مربّع لإسرائيل، وربما يعود القبول الإسرائيلي بهذا التنازل الآن، إلى ما يُحكى عن اكتشاف حقل غاز جديد، شمال حقل كاريش الحالي، وتريد إسرائيل ضمان استثمارها لهذا الحقل، دون الدخول في نزاع عليه مع لبنان”.
استبعد سريوي ما يحكى عن خط متعرّج لتقاسم الثروة “فهذا أمر لا ينطبق مع القانون الدولي وسيخلق مشاكل متعددة في حال اكتشاف حقول جديدة على جانبي الحدود. إنّ حقل قانا هو حقل مشترك يمتد بين البلوك رقم 9 اللبناني والبلوك رقم 72 التي رسمته إسرائيل، وحتى في حال التوافق على الخط 23 لترسيم الحدود سيبقى هذا الحقل مشتركاً، والفرق الذي يُحدثه خط هوف يتمثّل بزيادة حوالي 10% من مساحة هذا الحقل لصالح إسرائيل. وبالأرقام يمكن القول إنّ هذا يمثّل حوالي 9 ترليون قدم مكعب من الغاز، أي ثروة تقارب 3 مليار دولار، هذا إذا صدقت التوقّعات باحتواء الحقل على 96 ترليون قدم مكعب من الغاز. الحل الذي يطرحه هوكشتين هو تقاسم هذه الثروة، عبر رسم خط جديد لتقاسم المنطقة المتنازع عليها، بحيث تزيد حصة لبنان إلى 560 كلم وتنخفض حصة إسرائيل إلى 300 كلم ويبدو أنه هناك مرونة في التعاطي مع هذا الطرح الجديد”.
ماذا عن الموقف اللبناني من طرح هوكشتاين؟
يلفت سريوي إلى أنّ لبنان المنقسم سياسياً على أبوب الانتخابات النيابية، أظهر تمسّكاً بالخط 23 مقابل تنازله عن الخط 29، وعدم القبول باستخراج مشترك للغاز من حقل قانا، كون ذلك يشكّل نوعاً من التطبيع مع العدو الإسرائيلي. ولكن هناك حديث عن ليونة في الموقف اللبناني، أظهرها هوكشتين للعلن عندما تحدّث عن أنّنا أمام فرصة لإنجاز اتفاق، وأنّه لا يمكن لأيّ طرف أن يحصل على مطالبه مئة بالمئة في أيّ عمليّة تفاوضيّة.
باسيل في خلفية رسالة عون
لافتة جدًا رسالة الرئيس عون إلى الأمم المتحدة عبر السفيرة أمل مدللي عشيّة زيارة هوكشتاين، ومن خارج مجلس الوزراء، علمًا أنّنا أمام حكومة كاملة الصلاحيات وليست في مرحلة تصريف أعمال. فهل أراد عون القول للأميركيين أنّه هو دون سواه من الجهات اللبنانية يحسم في ملف التفاوض؟ وهل من مكان خفي بين سطور الرسالة لفتح باب التفاوض مع الأميركيين حول رفع العقوبات عن النائب جبران باسيل؟
سريوي يلفت إلى أنّ الرسالة لم تتضمن إشارة واضحة للتمسّك بالخط 29، ولم تصدر بشكل رسمي عن الحكومة اللبنانية، ولا تُمثّل تعديلاً للمرسوم 6433، ولذلك تبقى مفاعيلها من باب تسجيل موقف اعتراضي فقط، ورسالة إلى الأمريكيين كورقة للمساومة. كاشفًا أنّه جرى حديث عن طرح موضوع العقوبات الأمريكية على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في الكواليس مع الوسيط الأمريكي، لكن هوكشتين أجاب بشكل واضح أنّه لن يتدخل في الأمور السياسيّة، وتنصّل من هذا الموضوع، وفي ذلك إشارة واضحة إلى الموقف الأمريكي الرافض لمقايضة موضوع العقوبات على باسيل بموضوع ترسيم الحدود. ولقد ركّز هوكشتين على تقديم تسهيلات للبنان، بما يتعلّق بإمدادات الغاز المصري، وكذلك الكهرباء الأردنية عبر سوريا، وإعفاء هذه العملية من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.
اتفاق أم إلهاء؟
يختم سروي مقاربته باعتبار أنّ الأجواء الدولية باتت ملائمة لإنجاز اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل “خاصة أن الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني الذي يُشكّل خياراً وحيداً لدى الطرفين، بات وشيكاً ومرتقباً خلال فترة قصيرة، ولكن الأهم ستكون البنود السرية للاتفاق الجانبي بينهما، وليس ما يتمّ إعلانه”.
هوكشتين بدا متفائلًا بالتوصل إلى اتفاق، وأي تقدّم أو اتفاق على إطار عام للصفقة، يتطلب استئناف المفاوضات في الناقورة برعاية الأمم المتحدة، لوضع التفاصيل الكاملة للاتفاق، وهذا يستغرق بعض الوقت، يأمل لبنان إنجازه خلال شهرين. في المقابل أعرب سريوي عن خشيته من أن يكون هناك عملية إلهاء وتقطيع للوقت، لتمرير بدء إسرائيل التنقيب عن الغاز في حقل كاريش “ولقد اعتاد العرب على ممارسة إسرائيل للغش والخداع في المفاوضات”.
بالخلاصة هناك فرصة متاحة وكبيرة للتوصل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية، ليس انطلاقًا من حراجة وضع لبنان والتفاوض معه بظل أزمته المالية فحسب، بل أيضًا انطلاقًا من حاجة إسرائيل لإنجاز الترسيم والبدء بعمليات الإنتاج في حقل كاريش. وهو ما لفت إليه الديبلوماسي الاسرائيلي الذي شغل منصب السفير السابق لإسرائيل في مصر بقوله “إذا نجحت المحادثات، فسيكون ذلك إنجازًا دبلوماسيًا مهمًا لإسرائيل”.