الأزمة الأوكرانية: الضغوط العسكرية للولوج إلى الحلول السياسية
كتب د. طوني وهبه لـ “هنا لبنان” :
هل فعلاً سيبدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، وتقع الحرب التي يخاف الجميع من نشوبها، خصوصاً أنها تمتلك كل الأسباب لأن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة، مع كثرة توقّعات إندلاع شرارتها في الساعات أو في الايام القليلة المقبلة، على وقع تزايد التعزيزات والمناورات العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، والتي يقابلها تحضيرات وتعزيزات عسكرية ولوجستية من الجانب الأوكراني، وبعد فشل كل المساعي الدبلوماسية لا سيما المحادثات الرباعية التي جرت في برلين بين روسيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا.
وما زاد في التوقعات خطورة هو موقف الرئيس الأميركي جو بايدن الذي طلب من الرعايا الأميركيين المتواجدين في أوكرانيا والذين يقدر عددهم بنحو 30 ألف أميركي المغادرة سريعاً، وقد حذت حذوه العديد من الدول بالطلب من رعاياها ترك الأراضي الأوكرانية، وتدريبات عسكرية روسية لمئات الجنود في منطقة روستوف على الحدود مع أوكرانيا ومواصلة عشرات الآلاف من الجنود الروس المناورات الواسعة النطاق في بيلا روسيا على الحدود الشمالية لأوكرانيا، إضافة إلى إرسال موسكو لـ 6 سفن حربية للمشاركة في مناورات في البحر الأسود وبحر آزوف.
في المقابل أرسلت واشنطن قاذفات استراتيجية من طراز B52 إلى بريطانيا لتنضم إلى 4 مدمرات أبحرت سابقًا للمشاركة في مناورات للناتو تجري في البحر المتوسط، كذلك يواصل الناتو تعزيز حضوره العسكري في شرق أوروبا حيث أرسل مقاتلات من طراز F16 إلى رومانيا لتعزيز قوة الردع في البحر الأسود.
هذه هي صورة طبول الحرب تقرع وعلى صوت عال جدا، ولكن مصلحة كل الأطراف المتصارعة هي في عدم وقوعها لما لها من نتائج تدميرية ليس فقط على شرق أوروبا بل على العالم بأسره، ومن ينظر بتروّ يرى أن الهدف الحقيقي والمصلحة من كل هذه الضغوطات والمناورات العسكرية هو الوصول إلى تسوية تهدئ حدة الخطر ولو في هذه المرحلة فقط.
فالرئيس فلاديمير بوتين يعرف جيداً أن الحلول السياسية المطمئنة لروسيا لا يمكن أن تتم إلا على نار حامية، ومن المستحيل وضع حد للتوتر العسكري والأمني في أوروبا دون أن تضمن روسيا لأمنها القومي.
وقد أكد بعد لقائه الرئيس ماكرون أن لا نية لروسيا بالغزو، والتحركات العسكرية في محيط أوكرانيا وشرق أوروبا هو لفرض خطوط حمراء، تضمن أمن روسيا القومي، وأهم المطالب الروسية هي عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وعدم نشر الحلف أي من منظوماته الصاروخية أو إنشاء قواعد عسكرية قرب الحدود الروسية، والتزام الدول الأعضاء في الناتو بمبدأ عدم تجزئة الأمن الذي يحظر على أي دولة أن تعزز أمنها على حساب دولة أخرى.
فموسكو ترى في انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو خطراً داهماً عليها وتطويقاً لها وخنقاً لمصالحها ولمداها الاستراتيجي، حيث تصبح القواعد العسكرية وصواريخ الناتو على مسافة 180 كيلومتراً من مدينة بتروسبورغ، و500 كيلومتراً عن العاصمة موسكو، وهذا الأمر لن تقبل به روسيا لو كلفها الأمر حربًا لا تعرف نتائجها.
وأوكرانيا هي خط أحمر بالنسبة لروسيا، وتاريخياً منذ عام 1921 وحتى عام 1991 كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق أي حتى استقلالها مع جمهوريات سوفياتية أخرى. وقبل ذلك كانت جزءاً من الامبراطورية القيصرية الروسية، وهي جمهورية واسعة تبلغ مساحتها حوالي 603 ألف كلم2، تتواصل مع روسيا ضمن السهل الأوروبي الفسيح بحدود برية تصل إلى 1600 كلم تقريباً، وعدد سكانها حوالي 44 مليون نسمة، 75 منهم يتكلمون اللغة الأوكرانية و25 يتكلمون اللغة الروسية، كما أنها جمهورية غنية بإمكانياتها ومواردها الطبيعية.
وبعد إنفصالها ونيلها استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991 كان يتنازع فيها تياران أساسيان الأول يفضّل الإبقاء على علاقات قوية مع الروس، وتيار آخر يرغب بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ثم إلى حلف شمال الاطلسي.
أما بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي والتي معظمها تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي فهي بحاجة ماسة إلى الغاز الروسي والذي يغطي أكثر من 40 بالمئة من حاجاتها الاستهلاكية في التدفئة والوقود ومختلف حاجياتها، والذي يصلها مباشرة من روسيا عبر أنابيب نقل الغاز البرية والبحرية. وفي حال وقوع هذه الحرب سينقطع عنها مورد الطاقة هذا والأساسي الذي لا يمكن الاستغناء عنه وسيصبح الحصول عليه من مصادر أخرى غالي الكلفة سيما أنه في حال اندلاع حرب وتوقف الغاز الروسي عن التصدير سترتفع أسعار الطاقة عالمياً بشكل كبير.
وبالنسبة للولايات المتحدة التي تكتفي حتى الآن بإرسال تعزيزات عسكرية إلى دول حلف الناتو، وبزيادة العقوبات الاقتصادية على روسيا، تنظر بعين القلق والترقب الدقيق لما ستقوم به الصين في بحر الصين الجنوبي وإذا ما قررت غزو تايوان المناهضة لها والمدعومة من الولايات المتحدة والناتو.
أمام هذه الصورة تظهر مخاوف كل الدول من غزو روسيا لأوكرانيا وتعتبر عملية الغزو “الخرطوشة الأخيرة” عندما تستنزف كل المحاولات الدبلوماسية لأن الخوف من نشوب حرب عالمية كبير جداً، وبالتالي إن الضغوطات العسكرية الهائلة والمرعبة هدفها الأول والأخير الولوج إلى حلول دبلوماسية تكون المخرج من هذا المأزق العالمي الخطير لا بل الخطير جداً، وإلا فإن الغزو يكون أبغض الحلال بالنسبة لروسيا.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حل مشكلة النازحين السوريين يقع أوّلًا وأخيرًا على عاتق السلطة اللبنانية | هل يتم استحقاق انتخابات رئاسة الجمهوية في موعده الدستوري؟ | هل باستطاعة الحكومة اللبنانية إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم؟ |