نفايات لبنان قنبلةٌ موقوتة.. “التيارات السياسيّة تموّل نفسها منها”!
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
“لو لم يكن لبنان بلدي، لاخترته بلدي”، عندما تغنوّا بلبناننا الأخضر بطبيعته وأشجاره، لم يُدركوا يوماً أنّه سيتحوّل إلى لبنان الملوّث، المليء بأكياس النفايات التي تجتاح شوارعه وطرقاته. وصلنا اليوم إلى درجةٍ لا نستطيع ضبط مخيّلتنا، أحاسيسنا، مشاعرنا… في كلّ يومٍ نشعر أنّنا غرباء نعيش في وطنٍ جديد؛ فلم يعد لبنان طفولتنا يشبه لبنان مستقبلنا.
“طلعت ريحتنا” عبارةٌ أصبحت تُطبّق على واقع طرقاتنا. فأزمة النفايات التي انفجرت في العام 2015 ما زالت شظاياها تؤلمنا لغاية اليوم. حلول مؤقتة تتّبعها السلطة السياسيّة بظلّ غياب معامل فرزٍ، ومطامر شرعيّة كافية بعيدة عن السكان. نحن اليوم أمام قنبلة موقوتة تهدد طرقاتنا وشوارعنا، فعمّال الشركات المولجة لمّ النفايات يعتصمون أيّاماً ويعملون يوماً، مطالبين بدفع أجورهم بالدولار. بينما من الجهة المُقابِلة قدرة استيعاب المطامر للكمية الهائلة من النفايات أصبحت معدومة. يشهد مطمرا الجديدة والكوستابرافا نقاط خلاف كبيرة، كون عقد تشغيلهما الّذي انتهى منذ ثلاث سنوات ما زال ساري المفعول. فما هو حلّ مشكلة النفايات المزروعة في شوارع لبنان؟
تواصلنا في “هنا لبنان” مع نائب المتن المُستقيل “الياس حنكش” المُتابع لملف النفايات، الّذي اعتبر أنّ فضيحة ملف النفايات تعتبر ثاني أكبر فضيحة بعد ملف الكهرباء. فهذا الملفّ ما زال يكلّف الدولة من 1992 حتى اليوم، خاصةً أنّ تكلفة طن النفايات ليست مبررة بشكلٍ واضح وشفّاف، كوننا ندفع في لبنان نحو مرتين ونصف ضعف طن معالجة النفايات في ألمانيا، وأضاف إننا لا نعالج النفايات بل نرسلها تلقائياً إلى المكبّ دون فرزها.
وأشار “حنكش” إلى سلسلة اعتراضات قدّمها عند دخوله المجلس النيابي، إذ شارك بإجتماعات لجنة البيئة رغم عدم عضويته فيها، وكان الإصطدام بالمواقف بينه وبين رئيس مجلس الإنماء والإعمار “نبيل الجسر” الّذي بحسب “حنكش” ليس لديه تبريرات وإجابات عن الأسئلة والتساؤلات التي طرحها عليه، مشيراً أن بعض النواب ليس من مصلحتهم إمتعاض الجسر كونه يؤمّن لهم كميات من الزفت أو يمرر لهم مشاريع ضمن منطقتهم.
وأشار أن المحاصصة السياسيّة تظهر بالمجلس النيابيّ كما في الحكومة. إعتبر أنّ هناك خبثًا بالتعاطي داخل المجلس، فعند إقتراحه قانون إعفاء السكان المحيطين بالمكبات من ضريبة الأملاك المبنيّة، وذلك بلفتةٍ لتخفيف الضررعن المقيمين ضمن مناطق الجديدة، سدّ البوشرية، سن الفيل… أي المعرّضين لروائح كريهة وأمراض سرطانيّة ورئوية وخيمة، وقبل مناقشته القانون إقترب منه أحد السياسيّن طالباً منه إضافة اسم منطقته على مشروع القانون لتأييده والتصويت عليه. من هنا إعتبر أنّ التيارات السياسيّة تموّل نفسها من ملفّ النُفايات.
أمّا من ناحية الحكومة، فإعتبر أنّ كلّ وزير يستلم وزارة البيئة يكون إمّا ضعيفًا غير قادر على مواجهة مجلس الإنماء والإعمار الّذي يدمّر ويخرّب، إمّا متواطئًا لتمرير صفقات ضخمة كالمكبات مقابل السدود… وأكّد “حنكش” إحترامه للوزير “ناصر ياسين” وأثنى على خبرته التقنية بغضّ النظر عن الإنتماء السياسي. وأشار أنّه بالصدفة في لبنان لدينا متعهّدين فقط لكلّ المشاريع من جسور، كهرباء، نفايات… وهنا التنصيب.
كان حلّ مطمرَي الكوستابرافا والجديدة مؤقّتًا ولأربع سنوات، يُدفع لكلتا البلديّتين 8 مليون دولار في كلّ عام لتعويض الضرر الناتج عن النفايات، ومبلغ 25 مليون مرّة واحدة لكل منطقةٍ لتحسين مداخيلها. لكنّ للأسف تمّ دفع المبلغ مرّة واحدة وأصبحنا في السنة السابعة على عمل المطمرين، والسياسيين يتحجّجون بعدم وجود حلّ بديل.
إعتبر “حنكش” أن معظم الشعب والنواب بمن فيهم نواب المتن يعتبرون أن أفضل حلّ للنفايات طمرها بالبحر وهنا الكارثة الكبرى. عاتباً على نواب المتن، الّذين من المُفترض بهم أن يكونوا حريصين على صحّة المتنيّين الّذين أوصلوهم إلى المجلس. والحلّ ليس بأن نوافق على مطمر الجديدة أو الكوستابرافا كما فعلوا، بل دراسة الأثر البيئي قبل الموافقة، لكنّ الشرّ مسيطر اليوم على قرارات معظم النواب.
في لبنان هناك معامل طمر ولا يوجد معامل فرز، المطلوب هو فرز النفايات من المنزل وفصل تلك الطبيعيّة لتحويلها إلى سماد طبيعي عن الأخرى كالكرتون والحديد لبيعها. هذه الخطّة بالنسبة لحنكش ليست مستحيلة ولا معقّدة، لكن للأسف إنّ المنظومة السياسيّة تزرع بعقل المواطن إستحالة الفرز؛ وكأنّ المواطن اللّبناني متخلّف عقلياً ولا يستطيع فرز النفايات كما تفعل باقي بلدان العالم.
وأشار أنّه يتّهم دائماً بالشعبوية، فالمواقف التي يتخذها مع حزب الكتائب تتهم دائماً بالشعبوية؛ وعند نزولهم وإعتراضهم على عمل المطامر، حاصروهم لأنّه وبحسب “حنكش” نتعامل مع “مافيات”، وتمّ قلب الرأي العام وتحريكه ضدّهم. فلم تعد الشركات المكلّفة بجمع النفايات تقوم بعملها ممّا أغرق لبنان بالنفايات. لذا إنسحبوا خوفاً من تفاقم الأزمة وتأثيرها السلبي على الناس.
واستنكر “حنكش” الضرر الفائق للخيال الذي طال الجهة البحريّة من الشاطئ اللّبناني. فمساحة المكبّ مقابل برج حمّود بين 160 و200 ألف متر بينما علوّ النفايات يصل فيه إلى 30 متراً، الأمر الذي وصفه بالجنون؛ فبدل إستغلال الواجهة البحريّة للشاطئ اللّبناني والتفكير بمشاريع إنمائية وكيفية تخفيف الضرر، نعيش بضرر مُمنهج من قِبل المنظومة الحاكمة لتمرير صفقاتها.
وفي نهاية الحديث إعتبر النائب “الياس حنكش” أنّه يستبعد حلّ أزمة النفايات قبل الإنتخابات النيابيّة، بالرغم من وجود خطّة قائمة على التعاون مع البلديات وإنشاء مراكز فرز، فليس مستحيلاً التدريب على ثقافة الفرز، لكن لا رغبة من قبل السياسيّين بالتطبيق.
إذاً نحن اليوم أمام دولةٍ عميقة تُضعف مصلحة الشعب لتعزيز مصلحتها الخاصة. فالمُحاصصة أساس تقسيم الغنائم داخل كارتيلات الدولة. فلم يكتفوا بإدخال العتمة الى كلّ منزل، وها هم اليوم يستبدلون نقاوة الطبيعة بسموم النفايات. فالحلّ اليوم يتطلّب قرارًا، وهو ليس فقط بمشروع قانون الموازنة الذي يُدرس من قبل اللّجان النيابيّة، بل أيضاً بالإختيار الصحيح للنواب في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة.