الراتب التقاعدي بدلاً من تعويض نهاية لخدمة: الطبخة لم تنضج بعد
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان” :
لم تجد نادين ع.( محاسبة في إحدى الدوائر الرسمية ) من يسعفها من الصدمة التي أصابتها بعد أن سحبت تعويض نهاية الخدمة من صندوق الضمان الاجتماعي الأسبوع الماضي وقاربت قيمته الـ 3 آلاف دولار. “كان يساوي 40 ألف دولار قبل انطلاق الازمة الاقتصادية والمالية في العام 2019، لكنني لم أكن قد أكملت الـ 64 من عمري، الخسارة هائلة، مبلغ زهيد وربما لن يكفيني لبقية عمري في ظل هذا الغلاء الفاحش”.
حال نادين هو كحال المئات من اللبنانيين واللبنانيات، الذين قبضوا تعويض نهاية الخدمة، لكن هذا التهافت سجل تراجعاً في الآونة الأخيرة، فبعدما كان قد بلغ عام 2020، 18642 طلباً، لم يتجاوز حتى يونيو (حزيران) الماضي 10791 طلباً.
وأمام انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وخسارتها نحو 90 بالمئة من قيمتها الشرائية، لم يعد التعويض الذي سيتقاضاه اللبناني اليوم عن عمل تتراوح مدته بين 40 -45 عاماً أكثر من 2200 دولار بعد أن كان يساوي 44 مليون كمعدل وسطي، ما دفع بوزارة العمل وصندوق الضمان الاجتماعي للجوء إلى قانون الضمان الاجتماعي، الذي تنص الفقرة 5 من المادة 54 فيه على إمكانية تحويل تعويض نهاية الخدمة إلى معاش تقاعدي مدى الحياة لمن يرغب.
وفي سياق الجهود المبذولة لترجمة هذه الجهود أصدر المدير العام لصندوق الضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي قراراً حمل الرقم 89 بتاريخ 10 شباط 2022 قضى بموجبه تشكيل لجنة من ستة أعضاء من الخبراء في مجال التقاعد من ملاك الصندوق وخارجه، لإعداد مشروع النظام الخاص، على أن تقدم هذه اللجنة تقريرها إلى المدير العام في مهلة أقصاها 3 أسابيع من تاريخ صدور القرار، معرباً عن أمله بأن يبصر هذا المشروع النور في الأشهر القليلة المقبلة في حال توافرت الإمكانات المالية أو التمويل اللازم”.
رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان (FENASOL) كاسترو عبد الله وفي حديثه لـ “هنا لبنان” يؤكد أن “الطرح محق وهو من مطالبنا المزمنة، فهو يساهم في تعزيز الحماية الاجتماعية، لكننا نخاف أن يحصل عليه إلتفاف، بطريقة أو بأخرى، كأن يكون مجرد دعاية إنتخابية، وبرأينا فإن من مصلحة المنظومة الحاكمة والأحزاب المشاركة في السلطة السير به، مع بقاء القلق على الضمان قائمًا بفعل حالة الانهيار التي ضربت مدخرات المضمونين”.
ويشدد على “أننا سنعمل على دعم هذا الطرح وعلى تطويره، بعد الاطلاع على تفاصيله من كركي الأسبوع المقبل، لأخذ الموقف الحاسم منه، والأرجح أن يكون الضغط من أجل تطبيقه، مشدداً على أن المشروع لا يزال أمامه الكثير من المحطات أبرزها إقراره في مجلس النواب، وإجراء دراسة اكتوارية له، ودراسة للنسب، وحجم المستفيدين، وحسابات مستقبلية”.
إذاً فجأة لم تعد تعويضات نهاية الخدمة تساوي شيئاً، والأنكى أنه إذا عدنا إلى عبارة توفير التمويل اللازم تبرز مجموعة من الأسئلة لعل أهمها كيف للدولة التي تفكر جدياً بشطب ديون الضمان وإلغاء كل الفوائد المترتبة على السندات بالليرة أن تبحث عن موارد لهذا التمويل؟ وماذا عن تداعيات هذا الشطب (إن حصل) على مصير ومستقبل الصندوق وودائع المضمونين؟
وإذ يدعو عبدالله إلى معالجة جوهر المشكلة المرتبطة بسعر الصرف وليس نتائجها، يبدي إعتراضه على المساعدة الاجتماعية التي أقرت للعاملين في القطاع العام، معتبراً أنه من دون إجراء تصحيح الأجور وتعديل الحد الادنى، وإقرار السلم المتحرك للأجور، لن تأخذ الأمور مسارها الصحيح، لأن الرواتب فقدت قيمتها الشرائية والتعويضات تبخرت قيمتها. سائلاً ما قيمة المليون ونصف أو المليونين في حال عاد الدولار إلى سعر الـ 30 ألفا بعد أشهر قليلة؟
بدرايته بكل الظروف والأسباب المحيطة بهذا الملف نصح كركي – ولأكثر من مرة- المواطنين بعدم سحب تعويضات نهاية الخدمة الخاصة بهم إلاّ إذا إضطروا، فالرواتب ينبغي أن تزيد تماشياً مع إرتفاع سعر صرف الدولار. وهنا بالطبع ما من أحد يمكن أن يحدد موعداً نهائياً لهذه الزيادة خصوصاً في ظل إفلاس الدولة غير المعلن.
وفي لغة الأرقام يفيد مدير مركز “الدولية للمعلومات” جواد عدرا، عن تراجع متوسط تعويض نهاية الخدمة للعاملين المضمونين من نحو 80 ألف دولار إلى نحو 6 آلاف، أي بانخفاض نسبته 1233 في المئة، وبالرغم من ذلك لا يزال قانون التقاعد والحماية الاجتماعية عالقاً في أدراج مجلس النواب، ومشروع صرف تعويضات نهاية الخدمة وفق سعر الـ 8000 المعتمد في المصارف قيد الدرس، ليبقى الإنتظار نصيب اللبنانيين وكأنه لا يكفيهم ما يتخبطون به من معاناة ومآسٍ…
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |