ما هي رسائل مسيرات “الحزب”؟
كتبت رندة حيدر في ميدل إيست مونيتور:
للمرة الثانية خلال 24 ساعة، أعلنت إسرائيل أنها أسقطت طائرة مسيرة اخترقت أجواءها من الحدود اللبنانية.
هل نحن أمام مرحلة جديدة من التصعيد بين حزب الله وإسرائيل أم أن الأمر استعراضٌ للقوة الجديدة التي ذكرها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل أيام، عندما قال إنّ الحزب لديه القدرة على إنتاج طائرات بدون طيار وصواريخه أصبحت دقيقة؟
وهذا يثبت فشل إسرائيل في منع حزب الله من الحصول على أسلحة جديدة ومتطورة.
ومع ذلك، فمن المثير للسخرية أن يحدث هذا في وقت كثر الحديث في إسرائيل عن اقتراب المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين من تقديم اقتراح حل عملي لتسوية الصراع بين لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية، على أن تعود الشركات العالمية للتنقيب عن النفط في المنطقة المتنازع عليها وتقسيم الإيرادات بين البلدين بعد استخراجها. كما اقترح تعيين وسيط يقبله الطرفان للإشراف على عملية التنقيب.
ولسوء الحظ، فإن المعلومات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية مستمدة بشكل أساسي من مصادر إسرائيلية، لأن تعليقات لبنان على هذا الموضوع، رسمياً وإعلامياً، تفتقر إلى الشفافية وتتّسم بالغموض، فضلاً عن كونها عرضةً لادعاءات متناقضة ومتضاربة بحسب الحزب الذي صدرت منه، ووفقًا لمصالح هذا الحزب أو ذاك.
والغريب أيضًا أن محاولات حزب الله إثبات قدراته العسكرية الجديدة تحدث أيضًا في ظل الحديث عن اقتراب الأطراف في المفاوضات النووية في فيينا من الموافقة على العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، مع تعديلات طفيفة.
وهذا يثير السؤال: ما هي رسائل مسيّرات الحزب الآن؟
تفسير إسرائيل لما يحدث هو أن حزب الله، كالعادة، يحاول دائمًا اختبار استعداد إسرائيل وسرعة ردها على أيّ عملٍ عسكريّ.
تعتقد إسرائيل أيضًا أن حزب الله يريد أيضًا إثبات أنه يمتلك بالفعل قدرات جديدة وأن الطائرات بدون طيار التي يستخدمها حاليًا للاستطلاع قد تكون مسلحة في المواجهة القادمة، مما يجعل الحرب القادمة مختلفة تمامًا عن سابقاتها.
كما أن حزب الله يريد أن يوجه رسالة إلى الإسرائيليين، خاصة في ظل الصمت الإسرائيلي الرسميّ على الأقل، بشأن كشف نصر الله مؤخرًا عن القدرات العسكرية الجديدة للحزب، لذلك أطلق طائرتين بدون طيار في أقل من 24 ساعة من لبنان، مفادها: يجب أن تأخذوا كلام الأمين العام على محمل الجدّ، لأننا في الواقع نخلّ بأمن سكانكم في الشمال متى أردنا ونجبر جيشكم على رفع مستوى استعدادهم على الحدود الشمالية.
والحق يقال، هذا يندرج ضمن الحرب النفسية التي سيطر عليها حزب الله.
علاوة على ذلك، يدرك كل من حزب الله وإسرائيل أنه لا الوقت ولا الظروف مؤاتية لإثارة تصعيد أمني على الحدود وأن أي عمل من هذا القبيل سيكون انتحاريًا.
آخر ما يمكن أن يتحمله اللبنانيون اليوم هو مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الطائرات المسيّرة هي أيضًا رسالة موجهة إلى الداخل اللبناني وإلى معارضي حزب الله، الذين حمّلوه مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان لأنه يحمي النظام السياسي الفاسد، والأزمة الكبرى التي أحدثها مع دول الخليج.
فحزب الله يريد تذكير الجميع بأنه لا يحدد السياسة الخارجية للبنان فقط، ويرسم الخط الذي يجب أن تتبعه الحكومة اللبنانية ويتحكم في قراراتها، بل إنه يرسم أيضًا استراتيجية لبنان على الحدود الجنوبية، وهو قادر على فرض قواعد جديدة المواجهات العسكرية المقبلة.
إنّ تعامل إسرائيل مع تهديدات حزب الله مؤخرًا يذكرنا بالتعامل مع تهديدات حماس في غزة، حيث تدرك إسرائيل جيدًا أن حزب الله غير قادر حاليًا على التورط في مواجهة عسكرية ضدها وأنه ليس من مصلحته إحداث تصعيد أمني قد يعيق الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة بشأن حل نزاع ترسيم الحدود البحرية، إذ أن حزب الله يريد نجاح هذه الجهود، بالنظر إلى حاجة لبنان الماسة إلى عائدات الغاز المستقبلية.
وكما حماس، التي على الرغم من تهديداتها المستمرة لإسرائيل، فليس من مصلحتها الدخول في جولة جديدة من المواجهات مع إسرائيل بعد التسهيلات التي قدمتها إسرائيل لسكان غزة وحاجة حماس لإعادة إعمار غزة وإعادة بنائها.
بعبارة أخرى، تعوّل إسرائيل على الأزمة الاقتصادية الكبرى التي يعاني منها اللبنانيون وأهالي غزة حالياً لتكون بمثابة رادع ضد الانتكاسات الأمنية الخطيرة مع لبنان وغزة.
هذا الاعتماد محفوف بالمخاطر لأن أولئك الذين يسيطرون على القوة العسكرية لحزب الله وحماس ليسوا بالضرورة أطرافاً محلية، بل راعيتهم الإقليمية إيران، ولأن مصالح الناس في لبنان وغزة ليست العوامل الوحيدة المسيطرة على حالة الحرب والسلام.