ما بين الخط 23 والخط 29 … ازدواجيّة في المواقف واستهتار بالسيادة اللبنانية
كتبت ريما داغر لـ “هنا لبنان”:
رسم لبنان حدوده في ضوء اتّفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار من خلال إصدار قانون “تحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية” (القانون رقم 163 الصادر في 18 آب 2011. وحدّدت بموجبه: المياه الداخلية اللبنانية، المياه الإقليمية اللبنانية (12 ميلاً بحرياً من خط الأساس)، المنطقة المتاخمة (حتى حدود المياه الإقليمية وما يصل إلى 24 ميلاً بحريّاً من خط الأساس)، والجرف القاري (200 ميل بحري من خط الأساس).
في 1 تشرين الأول 2011، صدر مرسوم رقم 6433 المتعلّق بتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، وقد حدّد الخط 23 الواقع شمال الناقورة خطّاً أوّلياً للحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية للبلاد، ومن ثم جاءت الاستجابة البطيئة لكتاب قيادة الجيش عام 2019 الذي أوضح علميًّا الحدود اللبنانية، وطلب ضمنياً تعديل المرسوم المذكور.
ولكن بحسب قاعدة موازاة الصيغ القانونية، لا يمكن تعديل المرسوم إلا بآخر صادر عن مجلس الوزراء، الأمر الذي لم تقم به الدولة اللبنانية حتى اليوم، والذي أصبح موضوع نقاش في التفاوض من أجل ترسيم الحدود، خاصة بعد تسريب الرسالة الرسمية التي أعدّتها وزارة الخارجية إلى الأمم المتحدة، بناءً على توجيهات رئاسة الجمهورية والتي أظهرت تعارضاً تاماً مع الموقف الرئاسي السابق.
وكانت هذه الرسالة قد نُشرت بتاريخ 8 شباط 2022، عشيّة وصول الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى لبنان بغية استكمال المفاوضات غير المباشرة الجارية بين لبنان وإسرائيل وبوساطة أميركيّة بشأن ترسيم الحدود البحريّة منذ العام 2012.
جاء الموقف اللبناني المستجدّ بعد إعلان الرئيس أن حدود لبنان البحرية هي الخط 23 وهو خط تتمسّك به الدولة اللبنانية وتتفاوض من خلاله، وأن البعض قد طرح الخط 29 من دون حجج لبرهنته.
ومن هذا المنطلق، جاء موقف الرئيس عون مناقضاً لما نُقل عنه سابقاً عن تمسّكه بالخط 29، كما يخالف رأي الجيش اللبناني ووفده المفاوض الذي أصرّ سابقاً على اعتماد الخط 29 كمنطلق للمفاوضات.
فما وراء موقف الرئيس المستجدّ؟
عن هذا الموضوع، يتحدّث الصحافي والكاتب السياسي طوني أبي نجم، فيقول:
“يتعاطى العهد بملفّ ترسيم الحدود البحريّة بازدواجيّةٍ تامّة. وإنّه بحيث وبموجب الدستور، فإن رئيس الجمهورية يتولّى الإشراف على المفاوضات الدولية. وقد بدأت المزايدات، بعد إضاعة سنوات طويلة من مسألةٍ أساسيّةٍ تخصّ سيادة لبنان والحفاظ على ثرواته. فبعد أن أنجز الجيش اللبناني دراسته عن الخط 29، قام التيار الوطني الحرّ بحملة عنيفة حينها على وزير الأشغال “ميشال نجّار” تحت عنوان “#وقّع يا نجّار”، بإشارةٍ على توقيع مرسوم 6433 الذي يكرّس حق لبنان بالخط 29. وبكلّ أسف، حين وقّع وزير الأشغال على المرسوم، رفض رئيس الجمهورية التوقيع وترك المساومات مفتوحة من أجل تأمين مصالح جبران باسيل مع الأميركيين.
وبالتالي، وبسحرٍ ساحر، تمّ طيّ صفحة المطالبة بالمرسوم، ودخل الرئيس بمفاوضات بحثاً عن محاولات لرفع العقوبات عن صهره أو من أجل إجراء مقايضة على حاكم مصرف لبنان. وبعد أن فشلت كلّ مساعي رئيس الجمهوريّة مع الأميركيين، التزم العهد بتقديم أوراق رابحة لإسرائيل عبر تأمين مصالحها وإعادة لبنان إلى الخط 23 لتستولي على كامل حقل “كاريش”. وبالطبع، كلّ ذلك بمباركةٍ إيرانيّةٍ وإشرافٍ من قبل “حزب الله”. إذ لم يكن رئيس الجمهورية ليجرؤ على التخلّي عن الخط 29 في حال رفض الحزب الأمر. فقد تصدّر كلّ من الرئيس وجبران باسيل المشهد، بينما “حزب الله” في الصفوف الخلفية، يراقب تنفيذ الإرشادات. لذلك لم نشهد أيّ موقفٍ معارضٍ من الحزب في التخلّي عن حقوق لبنان لعدوّه الصهيوني، وكأنّه لا يتدّخل في شؤون الدولة اللبنانية البتّة”.
والجدير ذكره أيضاً، يضيف أبي نجم، أنّه “وبوقتٍ كلّ الأنظار والأحاديث متجّهة نحو الترسيم على الحدود الجنوبية، مسألة التنازلات مستمرّة وبالوقت عينه عبر مصادرة سوريا لسيادتنا البحرية في الحدود الشمالية. وقد سبق وقام السوريون بترسيم حدودهم البحرية بشكل أحادي بخلاف ما تنص عليه المادة 74 (حول تعيين الحدود الاقتصادية الحدود الحصرية بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة) من اتفاقية “مونيغو باي”، وقاموا بترسيم مناطق الإستكشاف وأطلقوا دورة تراخيص”.
إن لبنان بأمسّ الحاجة لموارده وثرواته إذ يمرّ بأسوأ انهيارٍ اقتصاديّ شهده العالم منذ القرن الماضي. ولكن للأسف، يقوم العهد ومن وراءه بالاستمرار بجعل لبنان ورقةَ تفاوضٍ لمصالح مرتزقة يسيطرون على قراره يعيثون فيه الفساد والدمار والخراب.