“كانت الألغام تحمي أحراجنا”… مافيا الفؤوس من القبيات حتى رميش تقضي على ما تبقى من لبنان الأخضر
كتب طوني عطية لـ “هنا لبنان”:
من أقصى شمال لبنان حتى جنوبه، مجازر بيئية يرتكبها الإنسان بحق الثروة الحرجية وأشجارها التي “لا تحجب ظلّها حتى عن الحطّابين” الذين تحت شعار “بدنا نتدفّى” “أكلوا الأخضر واليابس”، لتتحول إلى تجارة رابحة لجيوبهم، وخسارة كبيرة للأجيال وما زرعه الأجداد وأعطته الطبيعة لنا. ناهيك عن الحرائق المفتعلة من جهة، والناتجة عن عوامل طبيعية من جهة أخرى، في القضاء على ما تبقى من لبنان الأخضر. الأرض هي إرثٌ ورثناه ممن سيأتي من بعدنا، أي أنها تقدمة لنا من المستقبل قبل الماضي، فالحفاظ عليها واجب أخلاقي ووجودي.
من يتحمل المسؤولية؟ أي دور للجهات الرسمية والسلطات المحلية والقطاعات الأهلية المدنية؟
ياسين
في اتصال مع “هنا لبنان”، يقول وزير البيئة ناصر ياسين “إن مسؤولية الوزارة المباشرة تقتصر على حماية المحميات الطبيعية التي لا تشهد تعديات وقطع للأشجار بفضل الهيئات واللجان المحلية المولجة بإدارتها والحفاظ عليها، أما بما يخصّ الأحراج والغابات، ينحصر دور الوزارة على تلقي الشكاوى والمعلومات حول التعديات، والتواصل مع المدعين العامين البيئيين والمحافظين ومجالس البلديات، لاتخاذ الإجراءات المناسبة”.
أضاف ياسين، أن “الدور الأساسي يعود إلى وزارة الزراعة الموكلة بالحفاظ على الأحراج والغابات وإعطاء التراخيص لقطع الأشجار الحرجية بداعي التأهيل والإستصلاح، إضافة إلى المجالس البلدية التي تعتبر الخطّ الدفاعي الأول، غير أن الأوضاع المالية الصعبة لعناصر قوى الأمن الداخلي والبلديات وافتقارهم للعديد البشري المطلوب، يعرقل تطبيق القانون وملاحقة المعتدين”.
وختم ياسين “أن الوزارة تسعى بالتعاون مع الزراعة إلى إعادة تنظيم إعطاء التراخيص، والعمل على تكثيف حملات التوعية للمواطنين في كيفية تشحيل الأشجار والإلتزام بالمعايير البيئية، متوجهاً إليهم برفع روح المسؤولية عندهم بوقف عمليات الإبادة بحق ثروتنا الحرجية”.
عبدو
أما رئيس مجلس بلدية القبيات عبدو عبدو، يرى “أن ما يحصل في منطقة عكار وصولًا إلى الضنيّة، هو قتل لرئة لبنان الأكبر، مناشداً الأهالي وكافة البلديات على التعاون لمكافحة هذا الهجوم الوحشي الذي تخطّى إطار الحاجات الشخصية للتدفئة لتتحول إلى تجارة لا تقل سوءاً عن الممنوعات”.
وعن دور البلدية، يقول “إنه لو كنا نملك الموارد اللازمة والعناصر البشرية الكافية، لكنا كافحنا هذه الاجتياحات بحق بيئتنا وأحراجنا، وأن الإتكال على المتطوعين لا يكفي لسدّ الثغرات، فيما مأموري الأحراج يفتقدون إلى الآليات والمركبات الكافية لملاحقة المعتدين والحضور بأسرع وقت إلى الأماكن التي يتم فيها القطع والتي تحصل غالباً في الليل (الحرامي ما فيك تنطرو)”.
وختم عبدو أن “التعديات طالت الأحراج المحروقة منذ سنتين إضافة إلى الخضراء منها وأشجار السنديان، لافتاً إلى أن معظم الغابات في المنطقة هي “جمهورية”، أي تخضع لوزارتي الأشغال والزراعة العاجزتين، مطالباً الدولة برصد أموال كافية في الموازنات العامة لكي تستطيع المجالس المحلية والوزارية من القيام بمهامها المطلوبة”.
الحاج
من جهتّه، يتحدّث الناشط في بلدة رميش الجنوبية، غابي الحاج لموقعنا، “أن الاقتحام يطال أحراج السنديان الحدودية، التي بقيت محمية ومحصّنة طيلة ٤٠ عاماً، بسبب الألغام المزروعة جرّاء الإحتلال الإسرائيلي، لكن لسخرية القدر، أنه مع بدء نزع الألغام من قبل القوات الدولية العاملة في الجنوب منذ سنتين، واستفحال الأزمة المعيشية هذه السنة، أُسقِط حزام الأمان عن هذه الأشجار، التي حمتها الألغام، ليقضي عليها الإنسان، لافتاً إلى أن التعديات وصلت إلى غابة الصنوبر التي زرعها الإنتداب الفرنسي عام 1920 حيث تمّ قطع حتى الآن 11 شجرة من جذوعها”.
وقال “إن المشكلة ليست مع الحطّابين الذين يشحّلون الأشجار بهدف التدفئة، إنما مع المافيا الجديدة التي بات سوقها يمتدّ إلى مناطق صور والنبطية وصيدا والبقاع”.
وعن مسؤولية أجهزة الرقابة، أشار إلى “وجود مركز لصيانة الأحراج في رميش تابع لوزارة الزراعة، غير أن عناصره يحصلون على صفيحتي بنزين في الشهر الواحد، مما يعيق جهوزيتهم اليومية في تتبع المخالفين، حتى أنهم يضطرون جراء ضغط الأهالي إلى استعمال سياراتهم الخاصة وعلى حسابهم لملاحقة المعتدين”.
في هذا المجال، طالب الحاج بتشديد العقوبات والغرامات المالية بحقهم، حيث لا تتجاوز قيمة الضبط 200 ألف ليرة لبنانية، في حين أن أرباح هؤلاء، تتخطى 10 ملايين ليرة في اليوم الواحد، ويتم إطلاق سراحهم بعد نصف ساعة من توقيفهم، الأمر الذي يشكل دافعاً معنوياً للإستمرار بجرائمهم”.
وعن دور المجتمع الأهلي في التصدّي لعمليات الغزو، ختم غابي الحاج قائلاً “نحن على تحرّك دائم وتعاون مع الجمعيات والمنظمات الشبابية في تكثيف حملات التوعية، حتى أننا نقوم عبر صفحات الفيسبوك ووسائل التواصل الإجتماعي، بنشر صور من ذكريات الماضي لتجمعات ولقاءات للعائلات والشباب تحت أشجار السنديان وغيرها، داعياً الجميع للتكاتف لإنقاذ ما تبقى من غاباتنا لأن جذورها متعلقة بجذور أجدادنا الذين رووا هذه الأرض بعرقهم ودمائهم، وواجبنا أن نترك لأولادنا ما يشكرونا عليه، بدل أن تلحقنا لعنات الأجيال”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ما في دولارات للقمح”… الأمن الغذائي أمام كارثة حقيقية وهذه هي الحلول! | في عيد مار مارون.. أين هم الموارنة اليوم؟! | العونيّون… من الفنيقيين إلى البعثيين؟ |