أزمة ديبلوماسية بانتظار لبنان، هل كان له أن ينأى بنفسه عن القرار الأممي بحقّ روسيا؟
كتب طوني عطية لـ “هنا لبنان”:
مع سقوط جدار برلين وتفكك الإتحاد السوفياتي، ظنّ العالم أن الحروب الباردة والجيوسياسية قد ختمها التاريخ بشمعه الأحمر، خصوصاً في القارة الأوروبية، أرض الحروب العالمية التي تنطلق منها وإليها قد تعود، وأن الدول لن تنقسم مجدداً، مرغَمةً أو طواعيةً بين معسكرات القوى العظمى، إلى أن أتى الاحتلال الروسي لأوكرانيا، ليضع على الساحة الدولية، أزمة جديدة أكثر تعقيداً وتهديداً للأمن والسلم العالمي، ويقسم الأسرة الدولية في الأمم المتحدة، بين 35 دولة امتنعت عن التصويت من بينها الصين لصالح قرار الجمعية العمومية الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، و5 دول عارضته هي روسيا وبيلاروسيا وسوريا وكوريا الشمالية وإريتيريا، وغالبية 141 دولة صوّتت لصالحه من بينها لبنان.
وفيما تداولت وسائل إعلام محلية رفض موسكو استقبال موفد رئيس الجمهورية اللبنانية للشؤون الروسية أمل أبو زيد، نشر الأخير عبر حسابه على “توتير” صورة لقاء مع الممثل الشخصي للرئيس الروسي في الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، تناول فيه كل جوانب الأزمة الأوكرانية، وموقف لبنان الرسمي بشأنها، حيث وصفت مصادر لبنانية مطلعة الإجتماع “بالعميق والودّي”، بعد امتعاض روسي من البيان الصادر عن وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب الذي كان دعا فيه “روسيا إلى وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها من الأراضي الأوكرانية والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض”.
فهل كان للبنان أن ينأى بنفسه عن تأييد القرار الأممي أو عدم التصويت عليه لتجنّب أي أزمات ديبلوماسية جديدة تارةً مع الغرب وطوراً مع الشرق؟
يقول مصدر ديبلوماسي رفيع لموقع “هنا لبنان” إن “الموقف الرسمي اللبناني في الهيئة العامة، أتى منسجماً مع تاريخه ومبادئه كعضو مؤسس في الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية التابعة لها، إضافة إلى مشاركته في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما يرتب عليه الإلتزام بأي قرار صادر يحثّ على عدم اللجوء إلى استخدام القوة والتدخل في شؤون الدول وسيادتها وتهديد الأمن والسلم الدوليين”.
وتابع: “في كلّ مرّة كان يتعرض لبنان لاحتلالات خارجية، كنّا نلجأ إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاستصدار قرارات دولية تطالب بإنهاء الإحتلال والعدوان واحترام سيادتنا، فكيف لنا أن نكون على الحياد أو أن ننأى بأنفسنا عن مصائب غيرنا من الدول الأعضاء، وأن نطلب بالمقابل من المجتمع الدولي ومنظماته مساعدتنا والوقوف إلى جانبنا بوجه الغزاة؟ ولطالما كان لبنان الرسمي نصيراً لقضايا الشعوب والدول المحقّة ووقف إلى جانبها في المنابر الدولية”.
وأضاف المصدر ذاته أن “موقف لبنان نتج بعد سلسلة اجتماعات ومشاورات داخلية، ودراسة للموضوع من كافة جوانبه، ومعرفة الموقف الدولي من الكباش الحاصل، والتكامل مع المجموعة العربية في الأمم المتحدة التي صوتّت ضد الغزو الروسي”، نافياً في السياق ذاته “أي خلفيات سياسية للقرار اللبناني من أجل تلميع صورة بعض الجهات السياسية الداخلية تجاه الغرب والولايات المتحدة الأميركية، إنّما دعماً وتنفيذاً للقانون الدولي في حلّ الأزمات بالطرق السلمية، وعدم اللجوء إلى العنف واستخدام القوّة العسكرية، لتهديد وضرب سيادة الدول، التي لطالما كانت ضحايا الاعتداءات الخارجية”.
وعن إمكانية نشوء أزمة ديبلوماسية بين لبنان وروسيا على خلفية التصويت اللبناني ورسالة وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، استبعد الديبلوماسي الرفيع هذا الأمر، مشدّداً على أن “موقف لبنان هو مبدئي ضد أي عدوان أو احتلال، وليس من منطلق استهداف لطرف ضدّ الآخر، كما أن الإجماع الذي حصل في الجمعية العمومية، يجب ألا يعرّض لبنان إلى أي أزمة أو خصومة ديبلوماسية مع أي طرف دولي، وإنها ليست المرة الأولى التي قد يتعارض فيها موقفنا مع موقف روسيا أو غيرها من دول الأعضاء”.
وختم حديثه بدعوة اللبنانيين إلى المزيد من التكاتف ودراسة الواقع الدولي جيّداً لتخطي هذه المرحلة الصعبة جدّاً، مشيراً إلى أن “الحرب الروسية على أوكرانيا ستطول نظراً لتعقيدات الأزمة وانعكاس تداعياتها ليس فقط على المستوى الأوروبي، إنما على صعيد النظام العالمي بكافة تشعباته السياسية والإقتصادية وإمدادات الطاقة”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ما في دولارات للقمح”… الأمن الغذائي أمام كارثة حقيقية وهذه هي الحلول! | في عيد مار مارون.. أين هم الموارنة اليوم؟! | العونيّون… من الفنيقيين إلى البعثيين؟ |