الحروب والرياء والمعايير المزدوجة!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
يعكس الخبر الذي انتشر على وسائل الإعلام العالميّة عن أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة بالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين يبحثون عن خليفة محتمل للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جانباً بسيطاً من مقاربات الرياء الغربي حيال الحرب الروسيّة في أوكرانيا، وهو الرياء التاريخي الذي عكس نفسه في سياسة المعايير المزدوجة حيال القضايا الدوليّة المعروفة.
صحيحٌ أن ثمّة توازناتٍ لا يمكن للغرب أن يتغاضى عنها مثل الانخراط المباشر في الحرب الذي من شأنه أن يوسّع نطاقها وحدودها ويخرجها عن السيطرة تماماً؛ ولكن- في الوقت ذاته- لا مفرّ من الاعتراف بأن معزوفة العقوبات التي صارت تدور دورتها على كلّ الأزمات العالميّة تبقى قاصرةً عن توفير آليّات الضغط المطلوبة التي من شأنها استيلاد الحلول السياسيّة بدل مفاقمتها.
لم تردع العقوبات، رغم شموليّتها وقسوتها، موسكو عن مواصلة الحرب لتحقيق الأهداف التي رسمتها من الأساس وهي تتمثّل بشكلٍ رئيسيٍّ بتحييد أوكرانيا وتنصيب حكومةٍ مواليةٍ لها فيها وجعلها عمليّاً منزوعة السلاح والسيادة. لا بل لقد ساهمت كلّ هذه العقوبات في رفع أسعار المشتقّات النفطيّة حول العالم وفي تهديد خطوط إمداد الغاز وأنابيبه، وتعريض الاقتصاد العالمي لاهتزازات بنيويّة عميقة.
المهمّ الآن أنّ العالم أصبح بين فكّيْ كمّاشة: وقف الحرب دون تحقيق الأهداف بالنسبة إلى روسيا هو بمثابة هزيمة نكراء واستسلام لن تقبل به تلك الدولة التي سعت قيادتها على مدى السنوات المنصرمة لاستعادة حضورها الدولي فوسعت أنشطتها الخارجيّة، فقضمت شبه جزيرة القرم، وتدخّلت لصالح النظام السوري في دمشق الذي كان يصارع للبقاء، وواصلت سياسة معاداة الغرب وتوسّع حلف شمالي الأطلسي.
كما أنّ استمرار الحرب دون هوادة وبلوغ أعداد النازحين ما يزيد عن مليون ونصف نازح في فترة زمنيّة قصيرة إنما من شأنه إدامة الصراع والذهاب به نحو مسارات جديدة تكون أكثر تعقيداً وقسوة، فيتولّد عنه نتائج سياسيّة تساهم في رسم ملامح حقبةٍ جديدةٍ تماثل حقبة الحرب الباردة التي شهد خلالها العالم الكثير من الحروب بالواسطة إلى جانب اندلاع نزاعاتٍ مسلّحةٍ في بقعٍ عديدةٍ من الأرض نتيجة الصراعات القطبيّة الحادة والمدمّرة.
إذا كان من غير المبرّر اجتياح الدول لما يولده من خسائر بشريّة وإنسانيّة فادحة ولا تعوّض، فمن غير المبرّر أيضاً مواصلة سياسة الاستفزاز والتوسّع الأطلسي كما دأب الغرب على فعله منذ انهيار الاتّحاد السوفياتي. لقد شكّل سقوط الاتّحاد انتكاسةً تاريخيّةً كبرى لما يمكن أن يصطلح على تسميته “المعسكر الشرقي” أمام “المعسكر الغربي”، وهي كانت بحدّ ذاتها محطةً لا تقلّ إذلالاً عن الهزائم التاريخيّة الكبرى التي شهدها العالم والتي تركت ندوباً وآثاراً قاسيةً وصعبة.
يبدو أنّ أسس إعادة بناء السلام العالمي مغايرة عن تلك التي فرضت نفسها بعيد انتهاء الحرب العالميّة الثانية، إذ حتّى تلك الأسس كانت ملتوية، كما حصل عقب انتهاء الحرب العالميّة الأولى التي زرعت بذور الحرب التي تلت. التاريخ يكتبه المنتصرون، هذا معروف؛ ولكن تشابه أحداثه يفترض أن يعطي دروساً وعبرًا لكل القوى الدوليّة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |