انتبهوا أيّها اللبنانيون.. تعليم أطفالكم بخطر!
أكثر من 700 ألف طفل هم عرضة لخطر عدم العودة إلى المقاعد الدراسية بسبب الفقر المتزايد، في المقابل ارتفعت نسبة التسرّب المدرسي جراء عمالة الأطفال والزواج المبكر للفتيات.
في شارع الحمرا في بيروت، يتجول العديد من الأطفال دون رقابة، بعضهم يبحث في حاويات النفايات، والبعض الآخر يبيع الزهور أو ينظفون أحذية المارة، كذلك تلاحظ العديد من الفتيات الصغيرات وهنّ يحملن أشقائهنّ الأطفال ويجلسن في أحضان أمهاتهن، واليد ممدودة للمشاة بغية الحصول على المال.
وفق إيتي هيغينز، نائبة ممثلة اليونيسف في لبنان فإنّ “هؤلاء الأطفال يجب أن يكونوا في المدارس، غير أنّهم في الشوارع يعملون ويكافحون من أجل العيش”.
وشهد العام الدراسي الحالي مغادرة 30 ألف طالب لمدراسهم، بسبب الأزمة الاقتصادية، وتعد هذه الأزمة الأسوأ من حيث عواقبها على الأطفال.
ووفقًا لليونيسف، امتنعت 15٪ من العائلات اللبنانية هذا العالم عن تعليم أطفالها، وهناك من بين كل 10 أطفال، طفلاً، يتم إرساله إلى العمل، فيما ارتفعت نسب زواج القاصرات وخاصة بين اللاجئين.
يقول جايدن البالغ من العمر 16 عامًا “نحن المسؤولون عن تعليمنا”، وإلى جانب الذهاب إلى مدرسة حكومية لبنانية، يحاول هذا المراهق السوري تعلّم المزيد من خلال متابعة الدروس في مراكز “26 Letters” التي تديرها إسبانيا.
علماً أنّ 1.2 مليون طفل كانوا ضحية لتراجع تعليمهم أو توقفه منذ تشرين الأوّل 2019، في هذا السياق تقول جانيرا تايبو، من مؤسسة “26 Letters”: “خلال الثورة، توقف الكثير من الأطفال عن الذهاب إلى المدرسة، ثم جاءت جائحة كورونا، ولم يكن لدى معظمهم الإمكانيات اللازمة للتكيف مع التعليم عن بعد عبر الإنترنت”.
وعلى الرغم من حضور الفصول الدراسية، غير أنّ 700 ألف طفل هم تحت خطر عدم متابعة تعليمهم بسبب الفقر المتزايد، وهنا تؤكد هيغينز لـ”Al monitor”: “نحن في حالة هلع، المدارس مغلقة منذ فترة طويلة وكان على العائلات اتخاذ قرارات صعبة”.
وقد اضطرت ثلاث أسر من أصل 10 في لبنان إلى تخفيض نفقاتها التعليمية، كما أدّى ارتفاع أسعار الوقود إلى صعوبة إيصال الطلاب إلى مدارسهم من قبل الأهالي، إلى ذلك يضطر معظم الأطفال إلى الدراسة دون كتب مدرسية.
وأضافت هيغينز: “بعض العائلات تختار تزويج بناتها في سن مبكرة وإرسال الأخوة الأكبر سناً للعمل، ليقتصر التعليم فقط على الأطفال”.
وفي لبنان، وبسبب الأوضاع الاقتصادية، يجد الآباء صعوبة في تأمين لقمة عيشهم، ما يدفعهم إلى إرسال أطفالهم للعمل في وظائف لا تدفع شيئًا يذكر مقابل العمل لمدة 14 ساعة، وفق ما تقول تايبو.
وفي استطلاع أجرته اليونيسف في تشرين العام 2021، أظهرت النتائج أنّ 12٪ من العائلات في لبنان ترسل طفلًا واحدًا على الأقل للعمل.
ويعدّ الوضع أصعب بالنسبة للاجئين السوريين، مع وجود عوائق إضافية أمام التعليم إضافة إلى الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، ويمكن القول أنّ هناك فرقاً يصل إلى أربع سنوات بين مستويات التحصيل مقارنة مع الأطفال اللبنانيين، إذ أنّ 30٪ من الأطفال اللاجئين في لبنان لم يذهبوا إلى المدرسة قط.
وتعاني الفتيات والمراهقات بشكل كبير من هذا الفقر، فمن بين كل خمس فتيات سوريات تتراوح أعمارهن بين 15 و 19 سنة في لبنان، هناك واحدة متزوجة، في المقابل فإنّ 4٪ من الفتيات اللبنانيات قد تزوّجن في هذه الفئة العمرية، ويخشى الخبراء من أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك بكثير.
ووفق هيغينز فإنّ الزواج المبكر للفتيات يعني مغادرة المقاعد الدراسية، علماً أنّ هؤلاء الفتيات يطالبن بالعودة إلى المدرسة من أجل بناء مستقبلهن.
وقال جايدن: “في صفي، غادر الكثير من الأطفال للعمل فيما بقيت الفتيات في المنازل”، مضيفاً: “نجلس بين 4 و5 ساعات في الفصل الدراسي من دون معلم، هم لا يحضرون لكونهم لا يتلقون رواتبهم وبالتالي لا يريدون تعليمنا مجانًا”.
قطاع التعليم في لبنان يعاني من أزمات عدة، من بينها إضراب الأساتذة، وهؤلاء يشتكون من قلّة الأجور، وعدم الحصول على تغطية صحية كافية كما يطالبون ببدل نقل مناسب، والعديد منهم يصمم على عدم العودة إلى التعليم قبل تلبية المطالب.
وكانت رواتب الأساتذة قبل عامين تقارب الـ1600$ شهرياً، أما اليوم فلا تتخطّى الـ90$، بسبب تدهور قيمة العملة، وهذا الراتب لا يكفي حتى للمواصلات، وهناك حوالي 59 ألف معلم ومعلمة يعانون من هذا الأمر.
تعتبر هيغينز أنّ “الأساتذة يحتاجون لكسب رواتب تكفي معيشتهم”، وكان العديد من المعلمين قد قرروا مغادرة لبنان، ما يعني نقصاً بالكادر التعليمي في المرحلة المقبلة وهذا سينعكس حكماً على الطلاب.
وعلى المدى القصير، سيؤدي هذا الأمر، إلى ارتفاع نسب الجهل والاضطراب والعنف.
“أنا أكره الذهاب إلى المدرسة”، يقول جايدن، متابعاً: “لست متحمسًا على الإطلاق لأنني أشعر أنني لا أعرف شيئًا ولا أفهم شيئًا”.
أما على المدى الطويل، وعندما يصبح هؤلاء الأطفال في عمر المراهقة والبلوغ، سيتعين عليهم مواجهة المزيد من الصعوبات المتمثلة في الحصول على وظيفة، أو حتى الانخراط مع الآخرين.
وكانت العديد من العائلات قد نقلت أطفالها من التعليم الخاص إلى الرسمي بسبب الأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ عامين، وهذا يعني ضغطاً كبيراً لا يمكن للتعليم الرسمي أن يتحمله.
ببساطة الخاسر ليس الأطفال وعوائلهم فقط، بل لبنان الذي كان رائداً في التعليم.
“إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإنّ ذلك سيؤثر على الترابط الاجتماعي؛ ببساطة هذا الأمر بمثابة خسارة كبيرة لرأس المال وخسارة اقتصادية أيضاً”، تعلّق هيغينز.
وكان مؤخراً، قد ازداد الشرخ بين أولئك الذين يستطيعون الحصول على التعليم وبين الذين لا يستطيعون.
“كلهم هم أجيال ضائعة”، تقول تايبو، وكانت المنظمات غير الحكومية كـ”26 Letters”، قد بدأت بمساعدة الطلاب وأسرهم مع التركيز على التعليم، وأصبح لديهم برنامج للطوارئ، يوفر الغذاء والدواء والدعم الأسري لمحاولة خلق بيئة أفضل لهؤلاء الطلاب للحصول على التعليم.
“عندما نساعد هؤلاء الأطفال، فإننا نساعد أطفالهم في المستقبل”، تختم تايبو.
المصدر: al-monitor
مواضيع ذات صلة :
بين النزوح الدراسي والأزمات التعليمية.. مدارس في مهبّ الفوضى | تعميمين بشأن تنظيم العام الدراسي وتسهيل إجراءات التعليم | التعليم في لبنان يحارب الأزمات… تحديات ومساعٍ مستمرة لإنقاذ العام الدراسي |