العقوبات الاقتصادية على موسكو وتأثيرها على مجريات الحرب
كتب د. طوني وهبه لـ “هنا لبنان”:
تتعرض روسيا لحرب اقتصادية شرسة، لم يشهد مثيلًا لها أيّ بلدٍ في العالم. حيث تفرض العقوبات عليها بسرعة قياسية تهدف بحسب الخبراء إلى إرجاع هذه الدولة العظمى 50 سنة إلى الوراء.
منذ 24 شباط تاريخ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، والعقوبات الغربية لم تتوقف، وآخرها كان القرار الأميركي بحظر واردات النفط من روسيا، وقد أدّت هذه العقوبات حتى اليوم، إلى خسارة الروبل ضعف قيمته أو أكثر أمام الدولار الأميركي، فبعد أن كان يساوي الدولار 77 روبلا أصبح اليوم يساوي 160، والروس يتهافتون على المصارف لبيع عملتهم، ما أوقع النظام الاقتصادي الروسي غير المتماسك أصلًا في كارثة خطيرة. وقد أشار النائب السابق لمحافظ البنك المركزي الروسي “سيرغي اليكساشنكو” إلى أن تجميد الغرب لاحتياطات النقد الأجنبي الروسي كقنبلة نووية ألقيت على موسكو.
الرئيس بوتين قبل بدء الحرب، كان يعوّل على الاحتياطات الروسية من النقد الأجنبي، والتي تحل بالمركز الخامس عالميًّا، وقد نشر البنك المركزي في بداية العام تقريرًا مفصّلًا، ظهر فيه أن الاحتياطات الروسية من النقد الأجنبي بلغت 643 مليار دولار أميركي، ولكن مع نشوب الحرب وفرض العقوبات القاسية أصبح الجزء الأكبر من هذه الاحتياطات في خبر كان.
وبحسب المنشور الذي تمّ حذفه لاحقًا تتوزّع الاحتياطات الروسية على الشكل الآتي:
32.3% من اليورو، 21.7% ذهب، 16.4% دولار اميركي، 13.1% يوان صيني، 6.5% جينيه استرليني، 10% بالمئة عملات أخرى مثل الين الياباني، والدولار الكندي والأسترالي والسنغافوري.
وهذه الاحتياطات تحتفظ بها روسيا في 9 دول وهي 21.9% في روسيا كذهب، والبقية تتوزع على البلدان الآتية: 13.8% في الصين، 12.2% في فرنسا، 10% في اليابان، 9.5% في المانيا، 6.6% في اميركا، و5% في مؤسسات مالية دولية، و4.5% في بريطانيا، و3% في النمسا، و2.8% في كندا، و10.7 % غير محددة المكان. والواضح أن معظم هذه الدول غربية وتنتمي لحلف الناتو وهي ضدّ روسيا في حربها على أوكرانيا، ما عدا الصين. وفي 26 شباط صدر بيان مشترك عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ثم انضمت إليها اليابان أعلنوا فيه عن إجراءات تمنع البنك المركزي الروسي من الوصول إلى احتياطاته الموجودة في الخارج، ما يحرم روسيا من احتياطات نقدية تقدر بـ 400 مليار دولار.
ولو حاولت روسيا تسييل وبيع احتياطها من الذهب الذي يقدر بـ 139 مليار دولار ستواجه مشاكل في نقله أو تسليمه في ظل الحظر الممارس عليها. كما أن الاحتياطات الموجودة في الصين والتي تبلغ 84 مليار دولار أميركي، والتي يفترض أن تكون في متناول روسيا، سيكون مصيرها كمصير الذهب، بحسب رأي خبراء اقتصاد عالميين، فالمصارف الصينية لن تخاطر بمصيرها خوفًا من العقوبات الأميركية.
كما أن لروسيا مبلغ 24.1 مليار دولار كحقوق سحب خاصة عند صندوق النقد الدولي مستحقة منذ نهاية شباط، ولكن صندوق النقد واقع تحت سيطرة الولايات المتحدة ما يفقد موسكو الحصول عليها، ما يعني أن السيولة الحقيقية الموجودة بيد البنك المركزي الروسي هي فقط 12 مليار دولار أميركي، وبقية المبالغ لا يستطيع الوصول إليها.
والأذى الأكبر والمدمر للقطاع المصرفي الروسي تمّ بفصله عن نظام تحويل المدفوعات العالمي “سويفت” الذي يضم أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة مالية في العالم، والذي لا يوجد حتى الآن بديل عنه.
هذه العقوبات الشرسة زادت الهلع وأدّت إلى هجرة الشركات والمؤسسات الأجنبية بشكل جماعي من روسيا، شركة BP البريطانية للغاز والتي تعتبر أكبر مستثمر أجنبي في روسيا وشركة شل البريطانية الهولندية والشركة النرويجية “اكينور” أعلنوا عن بيع حصصهم وانسحابهم من كل مشاريعهم في روسيا، إضافة إلى انسحابات أخرى على الصعيد المالي حيث أعلن صندوق الثروة النروجي “نورجس بنك” أكبر صندوق سيادي في العالم عن توقيف استثماراته في روسيا.
كل هذه التطورات أدّت إلى تدهور خطير في العملة الروسية ما أضعف القيمة الشرائية وزاد التضخم بشكل مخيف، وفي خطوة لطمأنة الروس قامت حاكمة البنك المركزي “الفيرا نابيولينا” في 28 شباط بضخ مليار دولار في السوق لامتصاص الطلب على الدولار، كما أصدرت بالأمس في 9 آذار قرارًا بمنع التداول بالعملات الأجنبية في روسيا، ورفع معدل الفائدة إلى 20 بالمئة بدل 9 ونصف بالمئة، لتشجيع الروس على الاحتفاظ بالروبل، كما أمرت وزارة المالية المصدرين الروس بأن يبيعوا 80 بالمئة من حيازاتهم من العملات الأجنبية في السوق ليشتروا الروبل.
وأعلن رئيس الوزراء “ميخائيل ميشستين” أن موسكو ستمنع الأجانب من التخلي عن أي أصول يمتلكونها في البنك المركزي الروسي، ولكن كل هذه الإجراءات كانت محاولات يائسة للحفاظ على سعر الروبل الذي ينهار سريعاً.
العقوبات الاقتصادية تتوالى على موسكو وجيشها يواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ خطته العسكرية بفعل المقاومة الأوكرانية التي تستفيد من الدعم العسكري الغربي.
والسؤال اليوم هو، كيف ستؤثر مشاكل روسيا الاقتصادية الشديدة الصعوبة على مجريات الحرب وهل ستساهم في وقفها؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
حل مشكلة النازحين السوريين يقع أوّلًا وأخيرًا على عاتق السلطة اللبنانية | هل يتم استحقاق انتخابات رئاسة الجمهوية في موعده الدستوري؟ | هل باستطاعة الحكومة اللبنانية إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم؟ |