التصويت في الحكومة دونه محاذير… “المحظور مباح” و “الميغاسنتر مثال”
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان” :
تحت عباءة “الديمقراطية التوافقية” في لبنان، كل شيء مباح… تجاذب، مساومات، محاصصة، والمشهد ليس ببعيد عن مجلس الوزراء منذ اتفاق الطائف، وكم من حكومات شلّت عندما استعملت هذه الديمقراطية للتعطيل إذا لم يوافق فريق ما على قرار معين مانعاً – وبحسب مصدر وزاري – حتى التصويت بذريعة أن “الخلافات ستتعمق وفي لبنان نحتاج إلى ما يجمع وليس إلى ما يثير الإنقسامات، والتصويت في جو انقسامي دونه عقبات ومحاذير”.
فيما رأى البعض في التصويت داخل مجلس الوزراء ما يهدد التضامن الوزاري، ولكن عن أي تضامن وزاري يتحدثون والتجربة تبرهن، وقبل طرح أي قرار على التصويت، أن بعض الوزراء عندما يلمسون أن توجه المجلس بعكس مواقفهم، لجأوا إما إلى الإنسحاب من الجلسة أو إلى مقاطعة الجلسات. وينتقدون في وسائل الإعلام عمل الحكومة والقرارت التي تتخذها ليصبحوا معارضة “على القطعة”.
في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أثير موضوع التصويت على الميغاسنتر إلا أن “تخريجة” أنهت النقاش وأبعدت “شبح” التصويت باقتراح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إعداد مشروع قانون لاعتماد الميغاسنتر والبطاقة الممغنطة في العام ٢٠٢٦ بعد أن كان وزير الثقافة محمد مرتضى قد رأى أن التصويت غير قانوني طالما أن هناك قانوناً بشأنه في مجلس النواب و سبق أن طرح في مجلس النواب وسقط، فكيف يطرح في مجلس الوزراء.
عدم الإصرار على طرح الموضوع على التصويت في مجلس الوزراء هو بمثابة إدراك بحسب مصدر وزاري أن انقساماً كان سيؤدي من دون شك إلى تفجير الجلسة.
ولكن السؤال المطروح لماذا تجنب التصويت فيما هو مسألة دستورية لا لبس فيها؟ مع العلم أن جلسات الحكومة التي تم التصويت فيها على بعض القرارات معدودة.
الدستور واضح في المادة 65 من الدستور في الفقرة الخامسة منه والتي تنص على كيفية التصويت:
“يجتمع مجلس الوزراء دورياً في مقر خاص ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر. ويكون النصاب القانوني لانعقاده أكثرية ثلثي أعضائه، ويتخذ قراراته توافقياً. فإذا تعذر ذلك فبالتصويت، ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور. أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها. ويعتبر ما يأتي مواضيع أساسية:
تعديل الدستور، إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الأولى أو ما يعادلها، إعادة النظر في التقسيم الإداري، حل مجلس النواب، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، إقالة الوزراء”.
وفي هذا الإطار أكد الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك لـ “هنا لبنان” أن اعتماد الديمقراطية التوافقية بشكل دائم يعود إلى أن الدستور اللبناني بعد الطائف توافقي لا سيما أن المادة 65 منه في الفقرة الخامسة تنص على كيفية التصويت وعلى أن مجلس الوزراء يجتمع دورياً في مقر مجلس الوزراء ويصار إلى اتخاذ القرارات توافقياً وإذا تعذر بالتصويت، وبالتالي هذا الموضوع منصوص عنه في الدستور، لذلك يسعى دائماً رئيس الجمهورية إذا كان حاضراً أو رئيس الحكومة عندما يرأس الجلسة إلى التوافق حول القرارات من دون اللجوء إلى التصويت ولكن هذا لا يمنع من اللجوء إليه عند عدم التوافق على أي موضوع، ما يعني أنّ الأولوية هي للتوافق ومن ثم للتصويت حتى أن الدستور ذكر 14 حالة تقتضي أن يكون التصويت عليها بأكثرية ثلثي أعضاء الحكومة منها موضوع الموازنة الحرب والسلم…
هذا لجهة النصوص الدستورية، أما لجهة ما أثير حول الميغاسنتر في مجلس الوزراء فلفت مالك إلى أن الوزير مرتضى ارتكز إلى المادة 38 من الدستور والتي تنص بشكل صريح وواضح على أن كل اقتراح قانون يقدم أمام مجلس النواب ولم يقرّ به أو أسقطه مجلس النواب لا يمكن إعادة طرحه ثانياً في العقد نفسه طالما أن موضوع الميغاسنتر أثير في جلسة 28/10 /2021 وأسقط في المجلس النيابي بالتالي ليس هناك من إمكانية دستورية لإعادة طرح الميغاسنتر إن كان عن طريق مشروع قانون أو اقتراح قانون يتضمن تعديلاً للميغاسنتر، وما ذهبت إليه الحكومة كان في إطاره الصحيح.
ورأى مالك أن إثارة هذا الموضوع القصد به شعبوي لا أكثر ولا أقل، بغرض تزخيم المعركة الانتخابية.
ولكن أليس التصويت من صلب الديموقراطية؟ وهل يؤثر على التضامن الوزاري؟
مالك أكد أن الدستور لم يمنع التصويت ولكنه أعطى الأولوية للتوافق وبالتالي عندما تنص المادة 65 على أن القرارات تؤخذ بالتوافق وبحال التعذر بالتصويت فإن الدستور لم يستبعد التصويت ولكن لم يعطه الأولوية والأفضلية.
ولا يمكن للتصويت أن يؤثر على التضامن الوزاري لا من قريب ولا من بعيد، إذ أن تشكيل الحكومات والتركيبة اللبنانية تدفع دائماً السلطة إلى اعتماد التوافق حتى أن الحكومة دائماً ما تكون مصغرة عن مجلس النواب نظراً للنظام اللبناني الاستثنائي ويأتي طرح التوافق قبل التصويت.
وفيما شدد مالك على أن الوضع اللبناني فرض التوافق إلا أنه إذا أردنا أن تكون المؤسسات منتجة يقتضي علينا الذهاب ضمن إطار اللعبة الديمقراطية الحقيقية أي فريق أكثرية وفريق أقلية، وأن تكون الحكومات بفريق عمل موحد منتج باقتراحاته ومشاريعه تقابله أقلية معارضة في مجلس النواب تضع النقاط على الحروف، ولكن يتم تجنب هذا الأمر نظراً للتركيبة اللبنانية.
ورأى أن ما يحصل راهناً لجهة تشكيل الحكومات وكيفية اتخاذ القرارات يعطل دور مجلس النواب الرقابي على الحكومة، وتنشط المقايضات وتقاسم الجبنة والمحاصصات تحت مبدأ التوافق.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |