عصيُّ السلطة في “دواليب” الانتخابات… تطيير أم تأجيل؟
كتب طوني عطية لـ “هنا لبنان”:
يعتبر بعض علماء السياسة والإجتماع، أن الإنتخابات العامة في الدول الديموقراطية، هي “ثورة بيضاء” متجدّدة (كل أربع سنوات في لبنان) كفصول الطبيعة، حيث أنّ أي تلاعب بمواعيدها وقواعدها وأصولها وعلّة وجودها، قد يهدّد انتظام الحياة السياسية برمّتها، مع كل تداعيتها وانعكاساتها المدمّرة على السياسة والإقتصاد والعيش الكريم، أي ضرب بصريح العبارة، الخير العام للمواطن والإنسان!
وما يميّز الدول الطبيعية عن المارقة والمخادعة منها، هو احترام المواقيت الدستورية وأهمّها الإنتخابية، لتشكّل ثقافة راسخة، وعمل عفوي وبديهي، لا تضع السلطة الماكرة العصي في “دواليبها” لتأجيلها أو الإطاحة بها على ضوء حساباتها الرابحة أو الخاسرة، بل هي عرسٌ وطنيٌ ينتظره الشعب والحكام على السواء.
وإذا كان اللبنانيون قد فشلوا في تغيير واقعهم العام، أو تحديد مصيرهم في ميادين 17 تشرين، أو تأجيل فرصتهم ونقل المواجهة من الشارع إلى الصندوق، من المعركة المباشرة إلى خلف الستارة، يخشى هؤلاء، من احتيالات الطبقة الحاكمة، “الشاطرة” في إجهاض كل أملٍ وحلمٍ بالتغيير عن طريق الإقتراع، بعد استنزاف الإنتفاضة وفرملتها. فما هي العقبات والتحديات التي قد تعرقل سير العملية الإنتخابية أو تأجيلها، بالرغم من تصريحات وزير الداخلية والسلطات المعنية، بحدوثها في أوانها؟
يقول المدير التنفيذي في “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الإنتخاب LADE” علي سليم، في اتصال مع “هنا لبنان”، إن “الإنتخابات النيابية تحت مجهر التأجيل أو التطيير، إذا لم تساهم السلطة في تذليل العقبات الداخلية المرتبطة بإدارتها، حيث تشير كل المؤشّرات إلى أن الإدارة الناظمة للإنتخابات، لم تحترم حتى الآن المسارات المتعلّقة بها، ومنها عدم بتّ ملف الاعتمادات اللازمة للهيئة المشرفة على الإنتخابات، حيث تطالب الأخيرة بصرف 18 مليون دولار، بدل 15 مليون، وذلك من أجل المباشرة في عملية الإشراف ومراقبة الإعلام والإعلان والإنفاق الإنتخابي”.
ويرى أن “هذا التأخير في صرف الإعتمادات وقبل شهرين من الإنتخابات، قد يقوّض تكافؤ الفرص بين المرشحين، ويعطي امتيازات بلا حسيبٍ ولا رقيبٍ لأصحاب النفوذ المالي والسياسي، على حساب المرشحين الذين يملكون برامج سياسية، لكنهم يفتقدون للقدرات المالية المطلوبة لخوض المعركة”.
وعطفاً على التحدّي المالي وانعكاساته على القطاع العام، يخشى سليم أن يؤدي هذا الوضع، إلى إضراب الموظفين العامّين والقضاة في لبنان، ما يعني عدم تشكيل أقلام الإقتراع، والهيئات القضائية المولجة بمتابعة اليوم الإنتخابي وعمليات الفرز.
وفي سياق آخر مرتبط بشفافية الإنتخابات اللبنانية، والحرص على نزاهتها، يرفض علي سليم طلب إدارة دولية للإشراف على الإنتخابات، عازياً السبب “إلى أن الدولة اللبنانية تتمتّع بصفة السيادة الوطنية، ويحق لها فقط تنظيم وتنفيذ الإستحقاق الإنتخابي، بيد أن المطلوب هو أن تقوم المنظمات الدولية، بتقديم الأوراق والإعتمادات اللازمة، لهيئة الإشراف على الإنتخابات، ونيلها تصاريح تسمح لها بالمراقبة، أسوة بباقي الجمعيات الأهلية والمدنية المحلية الناشطة والفاعلة في هذا المجال”.
وردّاً على سؤالٍ حول عدد المرشّحين الذي بلغ حوالي 1043، ودلالاته الإنتخابية، يرى أن “هذا الرقم، يشير إلى مدى حماسة اللبنانيين للمعركة، بعكس الأسبوعين الماضيين حيث كان عدد المتقدمين ضئيلاً، غير أن هذه الأرقام، لن تبقى على حالها، مع انتهاء مهلة سحب الترشيحات في 30 آذار، ومنه حتى 4 نيسان لتسجيل اللوائح، عندها ستتوضح الصورة مع اكتمال التحالفات و(غَرْبَلة) الأسماء ومعرفة الجديّين منهم”.
وعن استعدادات “لادي” لليوم الإنتخابي، ختم سليم قائلاً “إن الجمعية لا تملك الإمكانيات والعناصر البشرية الكافية، لتغطية كافة المراكز التي يمكن أن يتخطى عددها 7 آلاف. لذا نقوم بالتعاون مع بعض مكاتب الإحصائيات، وأخذ عيّنات تمثيلية، مبنية على عددٍ من المعايير، منها التوزيع الطائفي والجندري، والدوائر الساخنة سياسياً وانتخابيّاً، كدائرة الشمال الثالثة (معركة المرشّحين إلى رئاسة الجمهورية)، والمتن وغيرها، ويتمّ على أساسها تحديد عدد المراقبين الثابتين فيها، والجوّالين على المراكز الأخرى”، معوّلاً في الإطار ذاته، على دور الرقابة الذاتية للمواطنين ووعيهم في إنقاذ حياتهم ووطنهم، بعد كل المآسي والجراح التي ألمّت بهم، وأن التغيير في أيديهم وضمائرهم، إضافة إلى دور وسائل الإعلام المرافِقة والمتابِعة، إلى جانب كافة الجمعيات والهيئات المدنية، لتحويل هذه المعركة إلى نتائج رابحة في رصيد الدولة وحياة المواطن، قبل الحسابات الطائفية والمذهبية والحزبية والعائلية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ما في دولارات للقمح”… الأمن الغذائي أمام كارثة حقيقية وهذه هي الحلول! | في عيد مار مارون.. أين هم الموارنة اليوم؟! | العونيّون… من الفنيقيين إلى البعثيين؟ |