“الفراعنة والأباطرة تألّهوا، لأنّهم وجدوا جماهير تخدمهم بلا وعي”
كتب د. طوني وهبه لـ “هنا لبنان”:
الأديب الفرنسي “جان جاك روسو” كان يقول “إنّ رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب، بل في وعي الناس”، ونحن نعرف أن كل مشاكلنا، تبدأ من الولاء الأعمى أي من عدم الوعي، والولاء المبني على انعدام التفكير، بل انعدام الحاجة للتفكير، وكما يقول الغزالي “إنّ الفراعنة والأباطرة تألهوا، لأنهم وجدوا جماهير تخدمهم بلا وعي”.
تتطلّع كل المجتمعات الديموقراطية في العالم، إلى الانتخابات كفرصة لإعادة تكوين السلطة، التي يتمّ تداولها بشكل ديموقراطي بين الفرقاء السياسيين بناء على ما تفرزه صناديق الاقتراع، حيث يمارس الناس قناعاتهم ويعبرون عن آرائهم السياسية، على مستوى من المعرفة والوعي يمكّنانهم من تحديد مصالحهم وحقوقهم وواجباتهم بعيدًا عن أيّ ضغوط سياسية أو إغراءات مادية، فتأتي النتائج معبرة عن مصالح الناخبين وتطلعاتهم إلى مرشحين يجعلون منهم قيادات سياسية تحت المراقبة والمحاسبة.
قال المدير الاقليمي للبنك الدولي ساروج كومارجاه، في أحد لقاءاته حول وضع خطة لإنقاذ لبنان وتعافيه “إن تشخيص مشاكل لبنان من أجل وضع الحلول المناسبة لها تبدأ بوعي الناس، فالاستراتيجيات لا تصنع في المكاتب بل بالتشارك مع الناس لرسم خطط الخروج من الازمة بناء على وعيهم وتطلعهم إلى مستقبلهم”.
وأضاف “أنا في لبنان منذ 4 سنوات، وقد فهمت الكثير عن هذا البلد، إن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم وجود إرادة سياسية مبنية على وعي الناس ومعرفتهم لمصالحهم”.
كل المشكلة تكمن في عدم وعي الناس وولائهم الاعمى لقيادات سياسية لا تمتلك الإرادة السياسية من أجل تنفيذ مصالح الناس وخدمتهم وحماية دولتهم.
إن ما مرّ به اللبنانيون من ظلم طالهم في معيشتهم ومستقبلهم ولقمة عيشهم وجنى أعمارهم، يفترض أن يولّد ثورة شعبية هائلة تقلب الدنيا رأسًا على عقب بوجه هذه السلطة، فمن يجول في بعض المدن والبلدات يجد كيف يتحكّم الوضع المأساوي بكل تفاصيل حياة هذه المناطق، أكثر من مئة فرن مناقيش (اللقمة الشعبية الأرخص) توقفت عن العمل وأغلقت أبوابها في إحدى المدن البقاعية، وهذا طبعًا بسبب ضعف القدرة الشرائية عند الناس حتى لشراء منقوشة الزعتر، هذا كله عدا عن صور الفقر العوز والتسول التي تنتشر في كل مكان.
مع صورة هذا البؤس كله، وقبيل استحقاق الانتخابات هذه الفرصة الذهبية من أجل محاسبة المقصرين والمسببين لمآسي المواطنين والوطن، وبدل أن يدرس الناس قرارتهم الانتخابية لتصبّ في خدمة مصالحهم المعيشية والوطنية، نجدهم بغالبيتهم فاقدين الوعي يتلهون بقوتهم اليومي وبالتغني بمواقف زعاماتهم الفارغة. هذا يجري، وكأنه لم تحصل ثورة 17 تشرين ولا غيرها من وقفات الحراك الشعبي والاعتصامات المطالبة بوقف الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين.
وهكذا بعد انتخابات 15 أيار، سنعود كما كنا، الوجوه ذاتها والسياسة ذاتها، والمناكفات والخلافات ذاتها، وسيكون التعطيل سيد المواقف، وعلى قول المثل الشعبي “وكأنك يا أبو زيد ما غزيت”..
مواضيع مماثلة للكاتب:
حل مشكلة النازحين السوريين يقع أوّلًا وأخيرًا على عاتق السلطة اللبنانية | هل يتم استحقاق انتخابات رئاسة الجمهوية في موعده الدستوري؟ | هل باستطاعة الحكومة اللبنانية إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم؟ |