كيف سينعكس الوضع المعيشي على المشاركة في الانتخابات القادمة؟
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
الانتخابات النيابيّة ما زالت قائمة في 15 أيّار 2022، وينتظر معها المواطن اللّبنانيّ فرصة التعبير المثاليّة عن حريّة رأيه. الإدلاء بالصوت الانتخابيّ في صندوق الاقتراع لا يتحوّل فيه الفرد فقط من ناخب إلى مقترع، بل هو مدماك النظام الديمقراطيّ في دول العالم. فعملية الاقتراع تجسّد أسمى واجبات المواطن التي تترافق مع حقوقه.
الشعب اللبنانيّ اليوم ليس وحده بانتظار الاستحقاق الانتخابيّ بفارغ الصبر، لكنّ المجتمع الدولي بأكمله أيضاً بحالة ترقّب لنتائج هذا الاستحقاق. الأزمة اللّبنانيّة التي تُرخي بثقلها على الوضع المعيشيّ صُنّفت كثالث أكبر أزمة في العالم، والقرار السياسيّ للتغيير مرتبط بنتائج الانتخابات. فما أثر الوضع المعيشي في لبنان على نسبة المشاركة في الانتخابات النيابيّة؟
كباش التحالفات واللّوائح الانتخابيّة اللّبنانيّة في النظام السياسي النسبيّ ليس التحدّي الوحيد في انتخابات أيّار، فالانهيار الاقتصادي والمالي يشكّلان حجر عثرة وهذه المرّة أمام المواطن. نسبة المشاركة اللّبنانيّة في انتخابات 2018 كانت 49.7%، أي أن 1862130 مواطنًا قد قاموا بالاقتراع، وقد تكون تلك النسبة أعلى من نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة. هذه النسبة التي تُظهر إمّا عدم رضى نصف الشعب اللّبناني عن المرشحين أو استسلام جزء منهم أمام اليأس بالتغيير بالإضافة إلى قلّة الثقافة السياسيّة لدى الأفراد.
في العام 2018 الحدّ الأدنى للأجور كان نحو ثلاثمئة وستين دولاراً ما يوازي ستمئة وخمسة وسبعين ألف ليرة وما زالت قيمته بالعملة اللّبنانيّة نفسها حتى يومنا مع فرقٍ بسيط وهو أنّه أصبح يساوي ثلاثين دولاراً تقريبًا؛ لكنّ المفارقة أنّه كان باستطاعة الفرد تأمين أبسط احتياجاته بهذا الحد الأدنى، فكان باستطاعة ربّ الأسرة تأمين جزءٍ من الرفاهيّة لعائلته. الدولار المدعوم من قبل الدولة اللّبنانيّة في 2018 كفل استقرار سعر صحيفة البنزين التي لم تتعدَّ مبلغ ثمانية وعشرين ألف ليرة، وفواتير المولّدات لم تكن تصل لنسبة 15% من الحدّ الأدنى، ناهيك عن تأمين الضمان الاجتماعي لما يعادل تسعين بالمئة من فواتير الطبابة…
بداية الأزمة الاقتصاديّة لم تبدأ في العام 2018 فهي نتيجة سنوات متراكمة من الفساد وضعف التخطيط الّذي ترافق مع منظومة حاكمة أفسدت ما حاول البعض إصلاحه. فبعد أربعة وثلاثين عاماً يعود اليوم الانكماش الاقتصاديّ في لبنان ويقترب تدريجياً من معدّل 28% الّذي كان عليه في 1988 أي خلال فترة الحرب. ورغم انخفاضه إلى 13.4% في العام 1990 بعد القروض والإصلاحات التي قامت بها الدولة اللّبنانيّة، وتدفّق الاستثمارات بين عامي 2008 و2010 بسبب الاستقرار السياسيّ في لبنان رغم الأزمات الاقتصاديّة في العالم. كانت أزمة اللاجئين السوريين عبئاً عمّق الفجوة في الاقتصاد اللّبنانيّ.
تراكمات السياسة والفساد عانى منها اللّبنانيّ منذ عقود، لكن في العام 2018 كان المال الانتخابي كفيلًا بشراء بعض الأصوات من قبل المنظومة المهترئة. فما الّذي تغيّر بعد أربع سنوات؟ ناهيك عن الوعي السياسي الّذي بدأ مع ثورة 17 تشرين الأول 2019 عندما أدرك المواطن أنّ مصالح السلطة السياسيّة أكبر من تأمينها الرعاية الاجتماعيّة له، أصبح المواطن نفسه يبحث عن أفرادٍ يشبهونه ويستطيعون تمثيله وعن حلولٍ تخفّف من مشاكله. فالناخب الّذي باع صوته في 2018 دفع مئات الأضعاف فواتير للمولّدات خلال السنتين الأخيرتين.
على مشارف الاستحقاق الانتخابي، نشهد تأثير سعر صرف الدولار بشكل مباشر على الحملات الانتخابيّة، فالإنفاق الانتخابي اليوم أكبر من الانتخابات السابقة لأنّ مصاريف المواطن تضاعفت عشرات المرّات. وسعر صرف الدولار أدّى أيضاً إلى انتقال سعر صفيحة البنزين مما يقارب ثمانية وعشرين ألفاً، لتصل إلى أكثر من أربعمئة وستين ألف ليرة لبنانيّة! فهل سيستطيع المواطن الّذي يقيم في المدينة والّذي لا يتعدّى راتبه المئة وخمسين دولاراً دفع عشرين دولار منه لتعبئة البنزين والذهاب إلى قريته للإدلاء بصوته الديمقراطيّ؟ ربطة الخبز قفز سعرها من ألف وخمسمئة ليرة إلى اثنتي عشرة ألفاً، فهل سيُبدّي ربّ الأسرة مشاركته بالانتخابات على حساب شراء ربطة خبزٍ لأولاده؟
المواطن اللّبنانيّ اليوم في حيرة، فالوعي والثقافة السياسية التي انتشرت في السنتين الأخيرتين كانت كفيلة بإدراكه أنّ انتخابات أيار 2022 هي بداية التغيير. لكنّ الوجع والحاجة في ظلّ الانهيار الاقتصاديّ والسياسات الماليّة المُتّبعة تجعله يقف مترقّباً. فاستغلال الفاسدين للوضع المعيشي وابتزازهم للأفراد في الانتخابات له سيناريوهان: الأوّل إبقاء نفس السلطة السياسيّة والثاني بداية الانتفاضة على الفساد مع نتائج جديدة للانتخابات. لذا نقف مترقّبين نسبة المشاركة بالانتخابات ونتائجها، وينتظر معها الجميع القرارات التي ستُتّخذ بعد هذه الانتخابات.