ترويض الناس.. هذا ما يريده حزب الله!
كتبت سناء الجاك لـ “Ici Beyrouth”:
ضرب القطاع المصرفي في لبنان ليس من باب الصدفة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية والإصرار على إجرائها في الموعد المقرر.
هذه المرّة واجه القضاء ضربة موجعة، من خلال القرار الذي أصدرته محكمة التنفيذ في بيروت والذي قضى بإلقاء الحجز والتنفيذ الجبري على موجودات مصرف “فرنسبنك”، ما يعدّ سابقة خطيرة.
لا يقتصر تأثير هذا الإجراء على “فرنسبنك”، ولا تقتصر آثاره على إعادة الأموال إلى المودع، بل تهدد قدرة اللبنانيين على الوصول إلى حساباتهم المصرفية، حتى في حدود السقوف المسموح بها.
من هنا، فإنّ هذه الخطوات هي عقبة جديدة ظهرت مع اقتراب موعد الانتخابات، لإرباك مواطنين همهم الأوّل الحصول على رواتبهم، ما يعني أنّ ما يحصل مخطط له ومدروس.
ويذكرنا ذلك بما حصل في ثورة 17 تشرين الأوّل 2019، في حينها قام “حزب الله” بقمع المتظاهرين والتعرّض لهم، وألهاهم بالمصارف.
وبعد ذلك، جاءت الأزمات المتلاحقة، فأصبحت الحياة اليومية للبنانيين طوابير من الذل أمام محطات البنزين، بالإضافة إلى نقص الأدوية واغتيال قطاعي التعليم والصحة، ما دفع إلى هجرة الميسورين وأبناء الطبقة الوسطى.
كان يمكن للبنانيين أن يحققوا تغييراً، لولا هذه الأزمات وتداعياتها الاقتصادية والمالية، التي غيّبت عنهم ضرورة الإطاحة بالنظام الذي دمرهم وهدد أمنهم وأفقرهم تمامًا.
وفي الحقيقة فإنّ حزب الله استطاع المناورة لتحقيق أهدافه، وقام بكل ما بوسعه لعرقلة أيّ محاولة جدية لتوحيد جهود المعارضة من أجل تحقيق التغيير المنشود في الانتخابات النيابية.
وهناك قناعة بأنّ ما يحدث حالياً يهدف فقط إلى ترويض اللبنانيين وإعادتهم إلى المجتمع والطائفة عن طريق إثارة مخاوفهم، حتى يشعروا بالأمان فقط تحت جناح الزعيم، الذي يملي عليهم ما يجب فعله خاصة في صناديق الاقتراع.
فالمواطنون المهددون اليوم بعدم تقاضي رواتبهم، سوف يصبحون أكثر تعلقًا بزعمائهم، وسوف يكتفون بالتهليل لكلماته والتصفيق له.
ومع ذلك، واجه اللبنانيون الذين حاولوا تحرير أنفسهم، في 14 آذار 2005، موجة دامية من الاغتيالات والاعتداءات، فضلاً عن حرب تموز 2006 واجتياح بيروت عام 2008.
وقد تعرضت هذه الجبهة لكم الأفواه، في محاولة لتحقيق هيمنة المحور الإيراني على لبنان، واليوم تدفع بعض الأحزاب التي تقاعست ثمن الخضوع الذي قدمته مقابل استمرارها في السلطة.
وهؤلاء السياسيون نراهم اليوم يشيرون إلى أنهم تعلموا الدرس، ويعلنون سخطهم على شعار “كلن يعني كلن”، الذي يضع الجميع في المركب نفسه.
وتتحمل السلطة وعجزها عن الوفاء بأيّ وعد، تمدد “حزب الله” وتماديه في تنفيذ الأجندة الإيرانية، فهذا الحزب بات يضع يده على معظم الأحزاب حتى تلك التي كانت أساسية في 14 آذار.
وقد واجه الحزب كل من يمكن أن يعترض طريقه بسبل مختلفة، واليوم وبعد أن اتخذ موقعه ورأى أنّ الإعمار والازدهار يحولان دون تحقيق خطته، وبعدما أفرغت الساحة من شخصيات بارزة لمواجهته بالعقل والحكمة والعمل ها هو يقف على أنقاض البلاد مانعاً إعادة إعمار مرفأ بيروت وأي تحقيق جدي في هذا الملف.
ومما لا شك فيه أنّ “حزب الله” أيضاً يعدّ الساحة ويوسع نطاق قبضته على البلد في انتظار التغيرات الإقليمية التي ستؤدي إلى تسويات، من المتوقع أن يكون لبنان ورقة مساومة فيها، وهو يدرك جيدًا أنّه مهما طال الانتظار، فإنّ هذه التسويات ستحصل، عاجلاً أم آجلاً، إما من خلال مؤتمر دولي أو وطني، أو من خلال مكون جديد أو غير ذلك.
ويستعدّ الحزب لأن يكون في تلك المرحلة جاهزاً بأغلبية برلمانية، وهو لن يحققها إلاّ من خلال أزمات ساحقة تشغل اللبنانيين وتبعدهم عن الواقع السياسي، ومن بينها التهديد الذي يتعرض له القطاع المصرفي في المرحلة الأخيرة على وجه الخصوص.
ورغم كل ذلك يبقى أنّ التحدي الحقيقي للبنانيين هو من خلال صناديق الاقتراع، فهي الأمل الوحيد، علماً أنّه لا يمكن لأي طرف تكميم أفواه شعب كامل. وفي حال لم يحصل ذلك، سيدفع العديد من اللبنانيين الثمن مرة أخرى، ثمن خوفهم وعدم قيامهم بواجبهم الوطني الذي يتمثل في اختيار ممثلين من خارج النظام الحالي.
مواضيع ذات صلة :
“الانتخابات الأميركية 2024”: منافسة نارية بين ترامب وهاريس وأجواء مشحونة | التباين الحاد بين ترامب وهاريس يحدد ملامح السياسة الأميركية المقبلة | حكومة الأردن تقدّم استقالتها |