الصحة النفسية في زمن جائحة كورونا… ماذا يقول علم النفس؟

صحة 19 كانون الثاني, 2021

منذ أواخر العام 2019، مروراً بالعام 2020 ووصولاً الى العام 2021، يعيش البشر حول العالم كابوساً كبيراً قد لا ينتهي على المدى القريب. فيروس كورونا المستجد قلب حياة الناس رأساً على عقب وغيّرها بتفاصيلها كافة، من أكبرها حتى أصغرها.

هذا الفيروس الذي عصف بالكرة الأرضية، سرق ضحكات الناس، أفراحهم، حياتهم وحتى أرواحهم، إذ فتك بالبشر بعدما تكاثر داخل الخلايا البشرية الحية.

وإلى جانب الأسئلة المهمة المتعلّقة بالصحة الجسدية لمحاربة الفيروس، لا بدّ من طرح أسئلة كثيرة تسلّط الضوء على الصحة النفسية في ظل انتشار الجائحة، إذ يعيش الكثير من الناس حول العالم حالة من القلق، الاكتئاب أو الرعب من الوباء. والسؤال الأبرز في هذا الإطار هو:
هل الصحة النفسية بخير في زمن كورونا؟

في تعريف بسيط للصحة النفسية، يمكن القول إنها الصحة الخالية من الإضطرابات والتوتر، وهي حالة نفسية يتمتّع الشخص التي يعيشها بمستوى سلوكي وعاطفي جيّد. وهي أيضاً خلق توازن بين متطلبات الحياة وأنشطتها لخلق مرونة نفسية.

إلا أن عوامل عدة تؤثّر على الصحة النفسية للأفراد وتؤذيها، وهذه العوامل هي ضغوط الحياة، عدم إدراك القدرات الذاتية، الإنتاجية الضعيفة وعدم القدرة على التأقلم مع المجموعة.

فكيف يؤثّر انتشار فيروس كورونا على الصحة النفسية؟

في حديث لموقع الـLBCI الإلكتروني مع الأخصائية في علم النفس والمعالجة النفسية اليز حداد شبيب، شدّدت الأخيرة على أنّ الصحة النفسية في هذا الوقت ليست بخير. وأوضحت أن “الفيروس يخيف جميع الأشخاص خصوصاً وأنه شيء لا نراه بالعين المجرّدة، فنشعر أنه شبح يحيط بنا ولا نعرف متى يفتك بنا، كما وأنه يجعلنا نعيش وحدة غريبة ولا يسمح لنا بالاقتراب حتى من الأهل والمحبين”.

وفي هذا الإطار، سلّطت حداد شبيب الضوء على بعض الأمور التي يعيشها الناس والتي تزيد من فظاعة كورونا وهي: الخوف، التوتر الشديد، الإكتئاب، العدوى، عدم الاختلاط بالآخر، الخوف من الخوف، قلة النوم والتفكير الدائم بالإصابة شخصياً أو إصابة أحد المقرّبين، إن من كبار السن أو المرضى، في العائلة.

المصابون بكورونا… طرق التعامل معهم للتخفيف عليهم

لا يمكن الحديث عن الحرب مع كورونا بدون ذكر المصابين. فإلى جانب المعاناة الجسدية التي يعانيها هؤلاء الأشخاص جراء العوارض التي يشعرون بها والتي تنهك أجسادهم، يعاني المصابون بعض المشاكل، مثل لوم النفس في حال نقل العدوى للآخرين، والتي تنهك الصحة النفسية.

وفي هذا الإطار شدّدت حداد شبيب على ضرورة التصرف بوعي بدءاً من لحظة الشعور بعوارض كورونا، لافتة الى أن المصاب بكورونا يحتاج أولاً الى رعاية جسدية مع رعاية نفسية، موضحة أن هذا الأمر صعب لأنه لا يمكن الاقتراب من المريض، حتى في بعض الأحيان لا يمكن التكلّم معه.

وهنا أشارت اليز حداد شبيب، الأخصائية في علم النفس والمعالجة النفسية، الى أنه بعد تأمين الرعاية الصحية للمريض، من خلال العزل واستشارة الطبيب، يجب تأمين رعاية نفسية له، عن بعد أو حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الدردشة معه عبر الرسائل النصية أو اتصالات الفيديو.

وقالت: “إن الفيروس تحوّل فجأة الى وصمة عار وإدانة اجتماعية، وبعد أن كان الإعلان عنه مصدر شفافية يطالب به الجميع، أصبح مصدر قلق وخوف وذنب”، وشددت: “كورونا مش جريمة”.

والسؤال هنا: كيف نساعد المريض من الناحية النفسية؟

تجيب حداد شبيب: “علينا بداية مساعدة المريض على رفع المزاج والمعنويات لتخطي هذه المرحلة”، لافتة الى بعض العبارات التي يمكن استخدامها خلال الحديث معه مثل: الفيروس ما بيقتل، في علاج، الجهاز المناعي القوي أساسي لمحاربة كورونا وبالتالي عليك العمل على تقوية جهاز مناعتك…

وتضيف أنّ التسلية ضرورية لتمضية الوقت في المنزل، مثلاً من خلال ألعاب معينة، أو حتى مشاهدة أفلام كوميدية أو وثائقيات.

كما وتنصح الناس المصابين بالقيام ببعض الأعمال المتراكمة عليهم مثل تحضير بعض الأوراق أو القيام بترتيبات إدارية لعدم الشعور بالملل. إضافة الى ذلك، من المهم عدم “الإختلاط” مع أشخاص مكتئبين ويعانون توتراً قوية.

وتسلّط اليز حداد شبيب على أهمية تزويد المريض بمعلومات طبية موثوق بها، والتواصل مع العائلة، الأصحاب، أرباب العمل بغية عدم الشعور بالعزلة.

ولدى التطرّق الى مرحلة ما بعد الشفاء، قالت: “البعض تعامل مع المرض بمسؤولية، ولكن البعض الآخر كشف عن الوجه اللامسؤول واللإنساني مع كورونا. المرض ليس جريمة إذاً، وليس بعيب؛ الناس كافة معرّضون للإصابة”. وتابعت: “هذا الفيروس، أو غيره، الذي يستدعي الحجر المنزلي كاد أن يسبب أمراض القلق والتوتر والكآبة واضطراب ما بعد الصدمة. فمن بعد الشفاء علينا: في الفترة الأولى تجنّب أي شيء له علاقة بالمرض، وضع خطة لاتباعها خلال الحجر وبعده ترتكز على التسلية والفرح والضحك، ومساعدة الشخص على التخطي المزاج السيّئ من خلال جلسات نفسية سلوكية تساعده على تحويل الأفكار السلبية الى إيجابية”.

أما الأشخاص الذين يعانون الوسواس القهري فهم يعانون الكثير من شدة الخوف، وهم، بحسب حداد شبيب، يحتاجون الى 6 أشهر لاستعادة عافيتهم النفسية مع المعالجة.

وختمت: “بهذه الطريقة نساعد جميع المرضى على تخطي مشاكلهم الجسدية من قبل الأطباء والنفسية من قبل المعالجين”.

فيروس كورونا والأطفال

ولسوء الحظ، فيروس كورونا لا يعرف عمراً معيناً. فهو لم يؤثّر على حياة الكبار فقط، بل لم ترحم براثنه الأطفال أيضاً، إذ أجبرهم على ملازمة منازلهم وتسبّب بحرمانهم من عيش مرحلة الطفولة بشكل سليم.

وعن تداعيات الحجر، الإقفال العام وعدم الاختلاط الاجتماعي على الصحة النفسية للأطفال، يقول علم النفس: “حياة الطفل مليئة بالنشاطات ولديه حركة دائمة ولا يعرف التعب. وعندما يكبر الطفل قليلاً، أي بعد عمر السنتين، يرغب بلقاء من يحبه وخصوصاً من هم من جيله أو من يفهمه، وفي هذا الوقت يشعر بالسعادة الحقيقية”.

وتابعت اليز حداد شبيب: “وهنا تكمن الكارثة، إذ إن بناء الشخصية السليمة والبعيدة عن الاضطرابات تكون من عمر صفر الى 8 سنوات”، موضحة أن فترة وباء كورونا تشكّل توتراً في الطفولة وصعوبة في التواصل مع الآخرين.

أما بما يخص كيفية التعامل مع الأطفال بطريقة سليمة في ظل جائحة كورونا، فأوضحت حداد شبيب أن على الأهل لعب دور الصديق المحب لأطفالهم وأن يسمعوا ما يريدون طلبه، كما وعليهم أيضاً أن يستفيدوا من وجودهم معهم للتحدث، حسب أعمارهم، عن الوقاية من الفيروسات وكيفية حماية الذات والآخر. ولفتت إلى أن “هذه الطريقة تزيد الوعي لديهم وتقوي الشق النفسي لديهم لكي يستطيعوا أن يتأقلموا مع كل ما يحيط بهم ويكبروا بأجواء إيجابية مريحة بعيدة عن الأمراض النفسية”.

نصائح لتخفيف حدة القلق من فيروس كورونا

ترك فيروس كورونا المستجد بصمته على حياة جميع الناس من النواحي كافة، فأشعل أزمات عديدة في القطاعات المختلفة. وكلّما اتسعت رقعة الوباء وزاد انتشاره وتأثيره على طبيعة الحياة اليومية، زاد القلق والخوف في نفوس الناس من هذا “الشبح المرعب”.

وهنا لا شكّ أن خطر فيروس كورونا حقيقي، لذلك على الناس، من كافة الفئات العمرية، الالتزام بالتدابير الوقائية، مثل ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي وغسل اليدين باستمرار، لمحاربة هذا الوباء الذي قد يسبّب الموت حتى بين فئة الشباب والأشخاص الذين لا يعانون أمراضاً مزمنة. إلا أن القلق المفرط والوسواس قد يؤثران سلباً على الصحة النفسية.

وفي هذا الإطار، فنّدت الأخصائية في علم النفس والمعالجة النفسية اليز حداد شبيب بعض النصائح لتخفيف حدّة القلق من فيروس كورونا، وهي:

1- على الشخص أن يتذكّر أنه ليس وحده من يشعر بالقلق إنما العالم كله.
2- عدم المبالغة في متابعة الأخبار والاعتماد على مصادر موثوق بها، كمثلاً الحصول على معلومات من أطباء مختصين ويتكلّمون بـ”منطق”.
3- هناك عدد كبير من الأشخاص المتعافين من الفيروس، كما إن قسماً كبيراً قد لا يشعر بأعراض خطيرة.
4- “دكتور غوغل” ليس بالدكتور الباهر، لذلك لا تسألوا غوغل دائماً، وذلك بخاصة للأشخاص المصابين بالقلق الصحي، إذ أحياناً قد يشعرون بالهلع والخوف من معلومات شبة خاطئة.
5- التفكير بشكل عقلاني: فبدلاً من التفكير بأن الفيروس يقتل، فكّروا بأن الكثير من الأشخاص قد تعافوا.
6- ممارسة ساعة من الرياضة يومياً في المنزل مع العائلة لتمرين الجسم والترفيه.
7- التعبير عن القلق مدة ربع أو نصف ساعة يومياً. إفراغ المخاوف من القلب وتبديل الأفكار السيئة بأخرى إيجابية.
8- تدليل النفس والعائلة: لديكم الوقت الكافي للقيام ببعض الأمور التي لم تتمكّنوا من القيام بها في وقت سابق بسبب ضغوط الحياة. يمكنكم طهي المأكولات اللذيذة، ترتيب المنزل، اللعب مع الأولاد، ترتيب الأوراق الشخصية، الاعتناء بالشريك والأولاد…
9- مغادرة مجموعات واتساب التي تؤثر سلباً عليكم وحذفها
10- التواصل مع الأشخاص الذين تحبونهم وترتاحون إليهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو اتصالات الفيديو للشعور بالإنخراط العائلي والاجتماعي.

ولدى الحديث عن الشعور بالوسواس والقلق الشديد في موضوع النظافة، اعتبرت حداد شبيب أن هذا العمل “مزعج ومتعب” على حدّ تعبيرها، مشيرة الى أن الإفراط في النظافة قد يؤدي الى إصابة المرء بقلق نفسي إضافة الى بعض الأمراض الجلدية.

وفي إطار متصل، لفتت حداد شبيب الى أنه على الناس المحافظة على النظافة العادية، مشيرة الى أنها عادة يجب أن ترافق الناس في حياتهم، مثل غسل اليدين عند دخول المنزل، عدم وضع اليدين على العينين والأنف أو في الفم واستخدام الصابون والمعقمات، ومشددة على أن الحفاظ على النظافة هي من إيجابيات فيروس كورونا.

كما وتطرّقت في حديثها الى موضوع الكمامة وقناع الوجه، وقالت: “إنها لسيت مضرّة… فلا داعي للهلع”، وأعطت مثلاً أن الأطباء يضعون الكمامة وقناع الوجه لأوقات طويلة ولا يعانون أمراضاً جراء ذلك.

أما بما يخص الأشخاص الذين يرفضون وضع الكمامة أو قناع الوجه، فلفتت الى أنه يجب عليهم البقاء في المنزل وعدم الخروج، إضافة الى عدم الاختلاط بالناس من خلال استقبالهم في المنزل.

باختصار، فيروس كورونا حقيقي وموجود ولكن طريقة التعامل معه تساعد في الفوز بالحرب. طبعاً التزام التدابير الوقائية الموصى بها هو أمر ضروري، لكن التفكير بإيجابية والتغلّب على الخوف أيضاً من الأسلحة الفتاكة لمواجهة الحرب. وذلك لأن الصحة النفسية هي جزء لا يتجزأ من الصحة الجسدية.

lbc

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us