عندما تحمي ميليشيا “الحزب” مسيحيي لبنان!
ترجمة هنا لبنان
كتب أنطوان قربان لـ “Ici beyrouth”:
بتأكيده من روما، أنّ حزب الله “يحمي” مسيحيي لبنان، يفتح الرئيس ميشال عون الطريق أمام أسئلة مصيرية: من أين يأتي التهديد الذي يبرر هذه الحماية المفترضة؟ هل المسيحيون ما زالوا يريدون لبنان الذي بناه أجدادهم بحكمة منذ عام 1861؟
تطرح زيارة رئيس الجمهورية الأخيرة للكرسي الرسولي سؤالاً مقلقا: “هل ما زال لبنان رسالة للعالم؟”
لاحظ المراقبون الاختلاف بين تصريحات الرئيس عون في روما وتصريحَي البطريرك بشارة بطرس الراعي في القاهرة، وكان الأخير قد جدّد بقوة التزام لبنان بالمبادئ التي اعتمدها إعلان الأزهر عن المواطنة عام 2017 وإعلان أبو ظبي للإخوان عام 2019.
ولم تكن هذه النصوص لتتحقق لولا تجربة الحوار اللبنانية ولولا التزام العديد من الشخصيات اللبنانية بالذي طرح، وهذا يتلخص في النقاط التالية:
– رفض مصطلح “أقليات” بحق غير المسلمين لأنه يحمل في طياته انقساماً داخل الجسم السياسي للدولة الواحدة.
– الإعلان عن القيمة التي لا تقدر بثمن لمفهوم المواطنة داخل الدولة على أساس الدستور، وضمان حماية جميع المواطنين من خلال القوانين بغض النظر عن انتمائهم الديني.
– رفض التمييز داخل الدولة الواحدة بين المواطنين المنتمين إلى طائفة دينية معينة.
– المساواة بين جميع الرجال، مؤمنين وغير مؤمنين، كإخوة معلنين في الإنسانية.
في روما أراد الرئيس عون أن يطمئن على مصير المسيحيين، وعند الإشارة إلى مشكلة حزب الله الشائكة، استخدم تصريحات مهدئة توحي بأن الميليشيات الإيرانية تضمن حماية المسيحيين، كما فعلت القوى الغربية في القرن التاسع عشر.
وتعكس هذه التصريحات الدعاية المعتمدة لدى “التيار الوطني الحر” الذي أسسه العماد ميشال عون، لكن اليوم مؤسس التيار الوطني الحر هو رئيس كل اللبنانيين، وهؤلاء إخوة في الوطنية، وهم تحت حماية دولة ذات سيادة، وقوانين وقوات مسلحة.
تخلق تصريحات عون شرخاً في الداخل اللبناني، فالمسيحيين أصبحوا جماعة “محمية” من قبل ميليشيا تسلّحها قوة أجنبية.
وهنا، هناك أسئلة عديدة يجب أن نطرحها: المسيحيون محميون من أي خطر؟ من هو العدو؟ لماذا يتم استخدام خطاب الضحية بشكل ثابت لمخاطبة الغرب؟ هل يمكن لرئيس الدولة ألا يضع نفسه فوق الخلافات وأن يتكلم بطريقة حزبية؟
إنّ هذه الخطابات تحرّك روح الأقليات، فتعتبر أنّها مهددة، وردّاً على هذا التهديد الذي يُنظر إليه على أنه “قاتل”، ستفرز هذه المجموعات الأجسام المضادة الإيديولوجية، والتي هي أصل التشابه المشترك بينها.
وفي الرد الذي تعكسه الجماعات العرقية أو الأمم أو المجتمعات الدينية على الخوف، من اختفائها، أو تقليص دورها، هناك “رد فعل للتعويض الجماعي النرجسي المفرط” (F. Thual).
وهكذا يتم بناء سردية تتمحور حول تحديد العدو الخطير، وبالتالي من “كبش الفداء” هذا الذي كان من شأنه أن يزعج الصفاء الأبدي لجوهر الهوية للمجتمع المهدّد.
علماً أنّ العنصر قد يكون دينًا منافسًا، أو فاتحًا، أو مجموعة عرقية مهيمنة، فيترك الأمر للمجتمع المهدد لحماية نفسه من الخطر من أجل استعادة عصره الذهبي بطريقة ما.
وانطلاقاً من هذا فإن الحماية المفترضة لحزب الله ستضمن تماسك الهوية المسيحية. ولكنّها حماية مِن مَن؟ وقبل كل شيء، لماذا يفعل حزب الله هذا؟
لم يكشف الرئيس عون في تصريحه هوية العدو أو دوافع الحماية، لقد استخدم ببساطة خطابًا من القرن التاسع عشر، فأصبح مصير الأقليات المسيحية في الإمبراطورية العثمانية، تحت غطاء “السؤال الشرقي”، شأنًا استراتيجيًا للقوى الأوروبية.
هذا هو السبب في الرأي القائل بأن مسيحي الشام يظل، إلى حد ما، معتمداً على الحماية التي كانت متوفرة له في الماضي أو غيرها.
كل شيء يحدث كما لو أن الوقت قد توقف منذ القرن التاسع عشر.
اليوم، الغرب نفسه تراجع عن روح الحروب الصليبية، علاوة على ذلك، غيّرت مفاهيم العلمنة والحداثة الإنسان الغربي بفعل إنسانية عصر التنوير.
في حين أنّ خطاب الأقليات يوقظ في اللاوعي الجماعي للمجتمعات المعنية، الكثير من التمثيلات التي شكلت خيالهم وجعلتهم يكتسبون أكثر من سلوك واحد من أجل تحييد التهديد، المتخيل أو الحقيقي.
ومن المستحيل تنظيف المخيلة الجماعية خلال جيل واحد.
والسؤال الآخر الذي يجب طرحه أيضاً، بعد أن أعلمنا الرئيس عون أن ميليشيا تابعة لإيران “تحمي” مسيحيي لبنان، هو: هل ما زلنا نعمل على بناء الوحدة السياسية للبنان، البلد الممزق ألف قطعة؟
هل المسيحيون بهذه الطريقة “محميون”، هل ما زالوا يريدون لبنان الذي بناه أجدادهم بحكمة منذ العهد العثماني، متصرفية جبل لبنان وولاية بيروت؟
مواضيع ذات صلة :
في لبنان ما يستحق الحياة | نعيماً يا قاسم! | الجيش الإسرائيلي: استهدفنا مقرات قيادة لـ”الحزب” في الضاحية |