فارس سعيد هل بقي اسماً أم تحوّل إلى ظاهرة؟
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
هل بقي فارس سعيد اسماً أم تحوّل إلى ظاهرة، فكل ما يأتي به من عدمٍ يتحوّل إلى فعلٍ سياسيٍّ إشكاليٍّ ومستمرّ، ذلك على الرّغم من ندرة مقوّمات الاستمرار. الرّابعة فجراً يلقي فارس سعيد التحيّة عبر تويتر على خصومه الكثر وأصدقائه القلائل. تنهال عليه موجةٌ هائلةٌ من الشّتائم والسباب من مناصري حزب الله، وفي الصدى المسيحيّ لتويتاته، لا يقلّ العونيّون غزارةً في شتمه، ولا ينبري مسيحيّون يفترض بهم الدفاع عنه للقيام بالمهمّة.
خصوم حتى العداء كثر، وأصدقاء بقيوا ثابتين، لكنّه في الفضاء الافتراضي لا يحذف أحداً من السفهاء، ولا يبالي، كما لا يعاتب أحداً من الأصدقاء، لعلمه أنه غير مقصّر بالنقد الجارح، وبالتعبئة فوق الطاولة وتحتها.
دخل مرة واحدة إلى البرلمان، وخرج منه في عزّ انتصار ثورة الأرز التي كان أحد صانعيها. هل هو قدر لغة العقل عند المسيحيين أن تعاقب وتطرد شر طرد، وهل أنّ سليل البيت الشهابي، لاقى مصيره كمصير رمز الشهابية الذي اعتكف قرفاً، وانسحب بهدوء يشبه الموت.
لا يعرف فارس سعيد معنى القرف فهو يتحدى الملّل. يتنفّس سياسة صباحية في قرطبا، ويعطي دروساً في السياسة تمزج بين المثالية في بيروت، والواقعية في جبيل وكسروان، فيتلوّن متحولاً من بروفيل وطني عربي في العاصمة إلى ابن أنطون سعيد في جبيل، ولا مشكلة في جلسة محلية مع منصور البون في كسروان، وفي اليوم التالي في جلسة باريسية تبحث فيها أوضاع المنطقة من العراق إلى اليمن إلى لبنان.
من مستشفى والده كانت الانطلاقة في السياسة، فتحول المستشفى إلى غرفة عمليات لقرنة شهوان، ثم ما لبث أن أسس الأمانة العامة التي عاش فيها أكثر مما عاش في منزله الزوجي. لو كان لجدران تلك الشقة المتواضعة في الأشرفية أن تتكلم، لروت الكثير من النجاحات والإخفاقات، والمقالب والمؤامرات، ولو تسنى لها أن تستعيد الصور من الذاكرة، لطبعت وجه سمير فرنجية ونصير الأسعد ووجوه كبار صنعوا ما لم يكونوا هم قد تصوّروا أنّه ممكن التحقّق. ثورة الاستقلال.
لقد كانت الأمانة العامة خليّة نحل. لكن لم تكن لتصبح الملتقى لو لم يكن أمينها العام فارسًا في إدارة كل هذه العلاقات المتشابكة والصعبة. لقد نجح لأنّ القدرة على جمع الناس حوله كانت مهنة، تحولت إلى مهمّة بوظائف عدة، أو قد تحوّلت إلى “سعيد أكاديمي”، حيث تبدأ النقاشات السياسية منذ التاسعة صباحاً ولا تنتهي التاسعة ليلًا ولا تعترف بانتشار كورونا.
يستعد سعيد لخوض الانتخابات النيابية، لا كي يحافظ على ما ورثه، بل ليكرس وجود معركة سياسية يراها حاصلة في شبه فراغ إلا من هوس احتساب الحواصل والمقاعد. ليست معركة أرقام بل تثبيت معادلة مفادها أنّ هناك من بقي يقول لا لسيطرة حزب الله. يقول عن معركته: طرحنا منذ أشهر ضرورة مطالبة رئيس الجمهورية بالاستقالة باعتباره حليفاً لحزب الله، فووجهنا بثلاثة تحفّظات ممن كان يفترض بهم السير بهذه المعركة. التحفظ الأول مسيحي حساباته تنطلق من اعتبار أن استقالة عون تعني انتخاب رئيس بالمجلس الحالي أي جبران باسيل. التحفظ الثاني يقول بالسير جنب الحائط في هذه المرحلة دون الاصطدام بحزب الله، أمّا التحفظ الثالث فهو كنسي وينطلق من الاعتبارات المعروفة المتعلقة بالحفاظ على موقع الرئاسة، والنتيجة أن عون بقي في بعبدا، أي حزب الله عملياً هو من بقي في بعبدا، ممسكاً بالأمن والقضاء والسلاح، وتحت هذه السطوة ستجري الانتخابات. وبدلاً من أن نحدث تغييراً قبل الانتخابات، نصنع فيه نتائج جديدة، ظنوا مخطئين أنّ الانتخابات هي من ستغير، أي اعتمدوا أولويات مقلوبة.
لم يبق سعيد وحيداً في كسروان جبيل. بقي له تحالف مع صديقه القديم الدائم منصور البون. اللائحة فيها شبان مندفعون، لكن فيها تناقض مضحك وتفاوت في الأهداف. منصور البون ابن بيت سياسي تقليدي، لا يتكلم إلا بعيداً عن الإعلام، أما سعيد فهو منبر يبث على مدار الـ 24 ساعة خطاب مقاومة الاحتلال الإيراني للبنان. تناهى إلى البون المشهور بظرفه، أن يافطة كبيرة وضعت على الأتوستراد مع صورة لسعيد، تقول: نواجه الاحتلال. فاتصل بالحملة الانتخابية معترضاً على كلمة نواجه (بالجمع)، الأصح حسب البون استعمال كلمة “يواجه”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |