قانون الإعدام… ألا يجب تنفيذه مع الذي يحصل بحقّ مجتمعٍ بأكمله عبر إذلاله وتجويعه وسلب حقوقه؟
كتبت ريما داغر لـ “هنا لبنان”:
أكّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10\12\1948 على أنّ “لكلّ فرد الحق في الحياة والحريّة والأمان على شخصه، ولا يجوز إخضاعه للتعذيب أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة”.
وبتاريخ 1996، جاء العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية ليكرّس الحقوق الأساسية للإنسان، كحقّه في الحياة وعدم جواز حرمان أي إنسان منها، وإنّما من دون جواز التذرع بهذا الحق لتأخير عقوبة الإعدام أو لمنعها أو إلغائها. ويدعو هذا العهد البلدان التي لم تقم بإلغاء عقوبة الإعدام إلى عدم الحكم بهذه العقوبة، إلّا على أشد الجرائم خطورة وفق معايير المحاكمة العادلة.
أمّا الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004 الصادر عن قمّة جامعة الدول العربية /16/ في تونس فقد أكّد على الحق في الحياة، كحق ملازم لكل شخص.
في لبنان، نصّت المادة \549\ عقوبات والتي عُدّلت بموجب 112 /1983، تاريخ بدء العمل في 16/09/1983 على أنّه:
يُعاقب بالإعدام على القتل قصداً إذا ارتكب:
– عمداً.
– تمهيداً لجناية أو لجنحة، أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها، أو تسهيلاً لفرار المحرّضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو الحيلولة بينهم وبين العقاب.
– على أحد أصول المجرم أو فروعه.
– في حالة إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص.
– على موظف في أثناء ممارسته وظيفته أو في معرض ممارسته لها أو بسببها.
– على إنسان بسبب انتمائه الطائفي أو ثأراً منه لجناية ارتكبها غيره من طائفته أو من أقربائه أو من محازبيه.
– باستعمال المواد المتفجّرة.
-من أجل التهرب من جناية أو جنحة أو لإخفاء معالمها.
كما يقضي القانون اللبناني بمادّته \273\ وما يليها، بالمعاقبة بالإعدام على الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي في حالات معينة، وبمادته \336\ في الجنايات المرتكبة من الجمعيات غير المشروعة.
وفي هذا الموضوع، كان لـ “هنا لبنان” حديث مع الدكتور محمود عثمان، أستاذ القانون في الجامعة اللبنانية، حيث أوضح ما يلي:
“طُبّق قانون الإعدام في لبنان، آخر مرّة في عهد الرئيس إلياس الهراوي وفي ظلّ حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. حينها وقّع الرئيس تنفيذ عقوبة الإعدام بحق قتلة الشيخ نزار الحلبي، وتمّ إعدامهم بعد صدور الحكم.
بعدها، وخلال عهد الرئيس إميل لحود، تمّ رفض توقيع مرسوم تطبيق حكم الإعدام من قبل رئيس الحكومة سليم الحص بسبب قناعة شخصيّة لديه بأنه لا يجوز تطبيق العقوبة لأن الله أعطى الحياة وله الحق وحده بأخذها”.
برأي الدكتور عثمان، “لا يكفي الاعتراض على القانون أو عدم توقيع المرسوم، بل كان من المفترض تحضير قانون آخر يتمّ من خلاله إلغاء العقوبة، لأنه لغاية اليوم القانون يتبنّى عقوبة الإعدام. فكان من الأجدى استبدالها بقانون الأشغال الشاقة.
ومن أجل التعديل التشريعي في لبنان، على الحكومة أن تتقدّم بمشروع قانون الإلغاء أو التعديل، أو من خلال عشرة نواب يتقدّمون باقتراح قانون لتتمّ مناقشته في مجلس النواب والمصادقة عليه حسب الأصول القانونية. وذلك مع التأكيد بأنّه ليس هناك إرادة سياسيّة لتنفيذ عقوبة الإعدام لأسباب عديدة، أبرزها قاعدة “6 و 6 مكرّر” أو المناصفة بين المسيحيين والمسلمين”.
ويضيف الدكتور محمود عثمان في سؤال حول فاعليّة تطبيق العقوبة: “إنّه وفي الحالات الاستثنائية كتفشّي الجريمة بشكلٍ كبيرٍ في المجتمع، وانكسار هيبة القانون، من الممكن تطبيق عقوبة الإعدام مع التأكد من أن تطبيق مثل هذه العقوبة سيؤدّي إلى انخفاض في نسبة الجريمة، الأمر الذي ليس مؤكّداً.”
الجدير ذكره، أن لبنان شهد محاولاتٍ عديدة من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، حيث يوجد منذ العام 2004 اقتراح قانون يرمي إلى إلغاء هذه العقوبة واستبدالها بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة، ومشروع قانون مماثل من وزير العدل في العام 2008.
من جهة أخرى، ترفض الأديان عقوبة الإعدام باعتبار أنه لا يحق للإنسان سلب حياة إنسان آخر، فإن هذا الشأن يتعلّق بالخالق فقط. كما أن الله رحوم، وهناك دائماً مجالاً للتوبة.
ولكنّ في ظل تفشي الجريمة في مجتمعٍ ما، ألا يشكّل قانون الإعدام رادعاً لمرتكب الجريمة؟ من الممكن المواءمة بين إلغاء العقوبة وتنفيذها عبر الإبقاء على النصوص القانونية التي تعاقب بالإعدام على بعض الجرائم البشعة، وعدم تنفيذ هذه العقوبة إلا في حالات محدودة.
ولكن كيف تُحدَّد الجريمة البشعة؟ وهل هناك جريمة بشعة وأخرى ليست كذلك؟
وفي لبنان، ألا يستحق الذي يحصل بحقّ مجتمعٍ بأكمله عبر إذلاله وتجويعه وسلب حقوقه، تنفيذ إعدامٍ بالمرتكبين من دون أيّ رجوعٍ لدينٍ أو لاعتباراتٍ أخرى؟