أزمة الأحزاب
كتب زياد شبيب في “النهار“:
في لبنان لا قانون للأحزاب، والقانون الذي يرعى إنشاءها هو قانون الجمعيات العثماني الصادر سنة 1909. والقانون المذكور متساهل في طريقة تأسيس الجمعيات السياسية، ولكنه متشدد في المضمون خلافاً لما يظن كثيرون وإذا ما طُبّقت موانع التأسيس التي شدّد عليها اعتُبرت معظم الأحزاب القائمة اليوم مخالفة للقانون ووجب حلّها.
لا يشترط قانون الجمعيات الترخيص المسبق لتأسيس الحزب بل يكتفي بشرط إعلام الحكومة بالتأسيس من خلال “العلم والخبر” (المادة الثانية). لكنه يمنع تأسيس الأحزاب التي تقوم على التفريق بين العناصر التي يتكون منها الشعب (المادة الثالثة)، كذلك يمنع تأسيس جمعيات سياسية، أي أحزاب، أساسها أو عنوانها القومية والجنسية (المادة الرابعة).
على هذا الأساس إن تطبيق المحظورات التي نص عليها قانون الجمعيات على الأحزاب القائمة يضعها في دائرة مخالفة القانون لأنها بمعظمها تقوم على التفريق بين عناصر أو فئات المجتمع اللبناني، لأن تكوينها وقياداتها ومنطلقاتها وأهدافها الفعلية تتمحور حول جماعة طائفية معينة تتكون منها.
إذا كان بالإمكان القول بأن الأحزاب اللبنانية التي تتكون منها الجماعة الحاكمة، مخالفة للقانون من حيث تكوينها، فإن أزمة تلك الأحزاب لا تقتصر على الناحية القانونية وحسب. وإذا كانت قناعة معظم اللبنانيين الراسخة تتجه إلى اتهام مجموع القوى السياسية القائمة بالتسبب في الانهيار الحاصل، وبغض النظر عن وجود أقليات من مناصري تلك القوى الذين يبرؤون زعيمهم ويلقون اللوم على الآخرين، فقد أصبح ثابتاً بأن جميع القوى السياسية، هي في حالة عجز كامل عن تقديم الحلول للأزمات المتراكمة والمتداخلة وعن إخراج البلد من حالة الاستعصاء المطلق التي يعيشها. وحالة العجز هذه تُغْني عن المناظرات العقيمة التي لا تزال تحصل أحياناً ولا سيما في مواسم الانتخابات حول نِسَب الصواب أو الخطأ في مواقف وممارسات هذا أو ذاك، أو حول الاتهامات المتبادلة بالارتكاب أو التعطيل.
رغم الانهيار الذي حصل على يديها نجحت الجماعة الحاكمة في الوصول إلى استحقاق الانتخابات النيابية من دون وجود منافس جدّي لها، وبعد أن بلغت الحضيض في الشهور الأولى لثورة خريف العام 2019 تمكنت من زرع عدد من “مندوبيها” في الجماعات التي تصدرت المشهد “الثوري”، ومن ثم أعادت تمثيل مشاهد الخلافات والصراعات بين القوى التي تتكون منها بحيث تحولت المنافسة المنتظرة بين الفريق الحاكم والفريق المعارض، الذي كان في طور الولادة وأجهضت ولادته، إلى منافسة داخلية بين القوى التي يتكون منها الفريق الحاكم نفسه. وبذلك أصبحت المباراة معروفة النتائج، وهذا النوع من المباريات لا يُقبِل عليه الجمهور في السياسة وحتى في الرياضة وشتى أنواع المنافسة.
وضع الأحزاب الحاكمة يشبه وضع المصارف. الأولى والثانية تسببتا في ما نحن فيه. وكلاهما في حالة عجز كامل عن الخروج من الأزمة وبحاجة إلى عملية تصفية ودمج. في المصارف القانون الذي يرعى التصفية والدمج معالمه معروفة وقد اعتُمد في بداية التسعينات ونتج عن تطبيقه اختفاء الكثير من المصارف وتذويب بعضها في بعضها الآخر وتشكل بنتيجته القطاع المصرفي ما بعد الحرب. أما الأحزاب فلا بد من تأسيس الجديد منها، لتضم مواطنين من كل الجماعات تجمع بينهم قناعات سياسية واقتصادية وغيرها على أسس وطنية غير فئوية، ومن يرغب من القديم بالبقاء فليقم بالاندماج مع أحزاب أخرى لتكوين قوى جديدة قادرة على المبادرة وصناعة المستقبل.
مواضيع ذات صلة :
انتخابات نقابة المحامين: لماذا تراجع التأثير الحزبي؟ | المال يعرقل مرشّحين… والأحزاب تنشط | نوّاب مرشّحون بسبب غياب البديل |