إلى “يتامى” طرابلس.. خوضوا البحر “سرّاً” و”علانية” فلا دولة لكم!
كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:
“ما بتفكروا”، “كيف بتكبوا حالكم بالبحر”، “مش حرام الأطفال”.. بهذه العبارات سيرجم الهاربون، لن تشفع لهم النجاة ولا الموت فهم بنظر العديد مجموعة من المجرمين، تجرّدوا من إنسانيتهم، من ضمائرهم، ورموا بأجسادهم وأطفالهم في عرض البحر!
هؤلاء الهاربون، ليسوا المجموعة الأولى، والضحايا الذين سقطوا غرقاً سبقهم العديد، والأطفال الذين اختنقوا بمياه البحر المالحة أصبحوا كثراً… فيما عبارات “الجلد” أصبحت أكثر قسوة، فتكرار الجريمة هو أكثر شناعة بالنسبة للمجتمع “المثالي” من الجريمة..
هذا المجتمع الذي لم يزر بمعظمه طرابلس، يسمع عنها في وسائل الإعلام. يتوهم أحياناً أنّها “قندهار”، وفي حين أخرى يشفق عليها وعلى أطفالها المشرّدين في الشوارع!
هذا المجتمع نفسه سخر طيلة الساعات الماضية من شبابها، وانتقدهم، فكيف لهؤلاء أن يبيعوا أنفسهم انتخابياً بـ150 ألف ليرة. وكيف لهم أن يسرقوا الكراسي، وكيف وكيف.. والبعض ذهب إلى حد وصفهم بـ”الهمج”!
ولكن رويداً، أنا أنتمي إلى هذا “الهمج”، وإلى هذه “الجريمة”.. ولنتوقف ولنسأل فقط، ما الذي يدفع عروساً وعريسها، لبيع المنزل والأثاث ووضع ما جمع من الدولارات بيد المهرب وركوب البحر؟ ما الذي يدفع بالأم لبيع ما تملك من ذهب وتحمل طفلها وتركب البحر؟ ما الذي يدفع بأب لتصفية تجارته راكضًا بأولاده إلى المركب نفسه… ما الذي يدفع بشاب تخرّج حديثاً من الجامعة إلى الاستدانة من محيطه، والهرب بحراً وهو المدرك للخطورة؟!
هذه الأسئلة ليست بلا أجوبة، وهؤلاء لا يقدمون على الانتحار. هؤلاء يهربون من الموت في الوطن إلى احتمال الحياة في دولة ما ينعمون فيها بالكرامة!
هؤلاء “حالمون”، يبحثون عن وطن، عن رمل دافئ، عن شمس، عن أمان، عن منزل لا تنقطع فيه الكهرباء ولا المياه، عن مدارس ليست حكراً على الأغنياء، عن فرصة عمل لا تحتاج إلى واسطة.
هؤلاء يبحثون عن فرصة!
الأزمة الاقتصادية نالت من لبنان صحيح. ولكن حصّة طرابلس كانت حصّة الأسد. فهذه المدينة لديها من الفقر ما أكل شبابها، ومن الإنهاك ما دمّر أحياءها ومن الاستثمار السياسي ما سجن شبابها..
فهذه المدينة مُنِعَت من الوقوف، كلما رفعت رأسها إلى السماء، كانوا يحاصرونها، كلما وقفت وانتفضت كانوا يضيّقون عليها، فسقطت وسقط أبناؤها!
أبناء طرابلس سيواصلون الهرب، فهذا الوطن لم يعد وطنهم، هم لا يهربون من مدينتهم، هم يهربون من وطن غرّب مدينتهم وغرّبهم، يهربون ممن اضطهدهم بحثاً عمن يعطيهم حقوقهم!
لذا، وقبل اغتيال هؤلاء بألسنتكم.. حاسبوا دولتكم الكريمة، واسألوا متى تعُيد طرابلس إلى خارطة لبنان؟ فهذه المدينة تعبت من كونها يتيمة!
مواضيع مماثلة للكاتب:
أين لبنان؟.. يا فيروز! | سليم عياش.. “القاتل يُقتل ولو بعد حين”! | نعيم قاسم “يعلّم” على الجيش.. الأمين العام “بالتزكية” ليس أميناً! |