عذراً يا ابنتَيْ عمي “الغريقتين”.. فأنتما لستما “ريان”!
كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:
70 ساعة مرّت على حادثة غرق الزورق، مئات الدقائق الثقيلة، آلاف اللحظات.. عشرة مفقودين، أو ربما عشرين، أو ثلاثين. العدد ليس هاماً، المهم أنّ هناك أرواحًا سقطت تحت المياه وما زالت مجهولة المصير!
70 ساعة، والتغطية الإعلامية ما زالت دون المستوى، ارتفع الزفير في اليوم الأوّل ثمّ تراجع رويداً رويداً، تناساه الجميع مع “دفشة” وليد فياض..
الصوت الأخير لركاب المركب لم يلبث الكثير من الوقت كي يصبح ماضياً. رصاصة “الكلب” كانت أكثر قسوة على مجتمعنا من أطفال ونساء ورجال أضاعتهم الدولة في عرض البحر!
وسط كل هذا الظلم، أسترجع تلقائياً حادثة الطفل المغربي ريان، مثلي مثل العديد. وأرى المشهد متجسداً أمامي، بدءاً من المواكبة الإعلامية على مدار الساعة، وصولاً إلى شقّ الجبل.
أكان استعراضاً؟ وإن يكن، لا يهم، فالوالدان في المغرب كان لديهما أمل، والحادثة أحيطت بالاهتمام الرسمي اللازم!
أسترجع أيضاً، لحظة معرفتي الخبر، كنت أعمل تحت وطأة الصدمة، مثلي مثل أيّ مواطن طرابلسي. ولكن لم أدرك أبداً إلّا في حينها “غصّة” المتابعة ومرارة الشعور حين نغدو نحن الحدث.
أتذكر رنين الهاتف، والخبر الفاجعة الذي سقط على رأسي ورأس عائلتي، لحظة علمنا أنّ أقرباءنا الخمسة على المركب الغارق.
في أقل من لحظة تبدّل كل شيء، دقات قلبي تسارعت، اختنقت مع كل خبر أتابعه، أواكبه. ببساطة لم أعد أتابع الحدث بل أصبحت في عمقه، أصوات الناجين باتت تذكرني بأصوات ابنتي عمي مهى وحنان، وبكاء الأطفال أعادني إلى ليا، يوسف وريماس.
أتخيّل لحظاتهن الأخيرة قبل الحادثة، الأحاديث التي كانت تدور، الأحلام.. كيف عانقت كل أمّ منهما طفلها، وتنفست بانتظار مستقبل آمن!
كل شيء أراه، وكأنّ روحي هناك، إلا لحظة الغرق لا تقوى ذاكرتي على التفكير في تفاصيلها. فأستسلم للشرود في مكان آخر بعيداً عن الموت، وأطرح فرضيات عن الحياة والمعجزات، وأصبّر نفسي بعبارة “من له عمر لن تقتله شدّة”!
70 ساعة، وعمليات البحث ما زالت خجولة، بل خجولة جداً. أبتسم من هذا “الاستلشاء”، وأتحرر من الصدمة حينما أتذكر أننا أبناء طرابلس، الذين لطالما كنا على هوامش هذه الدولة.
وأنّ ألمنا لا يهزها، فلا تنزف بالتالي لجرحنا!
70 ساعة، والمدينة بأمّها وأبيها تموت بصمت، تنتظر أملاً، خبراً.
70 ساعة، وجميعنا استسلم لقدره، وكل ما نريده جثماناً، وقبراً. ولكن حتى القبر، بات كثيراً علينا في “دولتي”.
وسط كل هذا، أسمع صوت فيروز وهي التي غنّت لنا “ليالي الشمال الحزينة”.. وأسأل: متى لم تكن ليالينا هنا “إلّا” حزينة!
مواضيع مماثلة للكاتب:
ونحن أيضاً أشلاء.. | أين لبنان؟.. يا فيروز! | سليم عياش.. “القاتل يُقتل ولو بعد حين”! |