يا أهلنا في طرابلس.. مصابكم بحجم الوطن
كتبت رنا الأمين لـ”هنا لبنان”:
خانتني الكلمات في محاولة عزاء صديقتي التي فقدت خمسًا من أقاربها في “مركب الموت” في طرابلس، لم أعرف ماذا أقول وكيف أواسيها.. وما نفع الكلام أمام هول المصاب..
أمّا المسؤولون فتهافتوا لتعزية أهالي الضحايا، كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته!
هو ليس المركب الأول الذي يبحر إلى المجهول حاملًا معه بقايا آمال من قرّروا الهرب للبحث عن مستقبل أفضل، لأنّ المسؤولين إيّاهم لم يبالوا بهم يومًا وربما شطبوا عاصمة الشمال من خارطتهم وتراهم لا يتحدثون عنها إلا عند الاشتباه بخلايا إرهابية نائمة!
المركب لم يكن الأوّل ولن يكون الأخير..
وسنراهم مجددًا يتسابقون لتقديم العزاء ويستثمرون بدماء الشهداء حتى قبل انتشال جثامينهم التي تلاطمت مع الأمواج وابتلعها البحر، دون أن يتكلّفوا عناء تحسين المستوى المعيشي وإعطاء هؤلاء أدنى حقوقهم ومتطلبات العيش الكريم كي لا يبقى البحر ملجأهم الوحيد.
قدّم الجميع العزاء لـ “أهلنا” في طرابلس. افرحوا يا أهلنا في طرابلس ما عدتم أيتامًا مهمّشين، فقد تبنّتكم الدولة اليوم لتستثمر في مآسيكم وترقص فوق جثث ضحاياكم!
حتّى أنّ البعض طالب “الدّولة”، الّتي يعترف بوجودها ويُلغيه كما يحلو له، بـ “إجراء تحقيق قضائي سريع وشفاف ونزيه وعادل لكشف حقيقة ما جرى، ومحاكمة المتسببين بهذه الفاجعة الأليمة”!
فكيف يُطالب بتحقيقٍ عادلٍ لضحايا طرابلس، مَن جاهد لتطيير التحقيق في تفجير الرابع من آب؟!
هل العدالة لأهلنا في طرابلس تختلف عن العدالة لأهلنا في بيروت؟ قد تتأخر العدالة في الأرض ولن ينالوها على الأغلب، ولكن ستنصفهم عدالة السماء لأنّ الراحلين حتماً سيخبرون الله بكل شيء.
كل مصابٍ يلمّ باللبنانيين، وكل مأساة، بالنسبة لمسؤولينا بابٌ للاستثمار السياسي فقط وتسجيل النقاط، هي سباق لاتخاذ المواقف وإعلان الحداد وتنكيس الأعلام، ففي بلدي فعلاً يموت من لا يستحق الموت على يد من لا يستحق الحياة..
لصديقتي التي لم تسعفني الكلمات لمواساتها، لأهلي على اتساع مساحة الوطن، من يشعر بألمكم لن يرصف الكلمات ويطيل البيانات في عزائكم، فهم إن كانوا يشعرون بشيء فهو الشعور بالذنب لما اقترفت أيديهم.. عزاؤكم بسقوطهم ومنظومتهم التي سلبت منكم أهلكم في وطن صار غير صالح للعيش..
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل نشهد نهاية الكتاب الورقي؟ | قصتي مع رفع تعرفة الاتصالات.. هكذا “أكلت الضرب”! | لبنان يقدّم الساعة.. والشعب اللبنانيّ يرجع ألف سنةٍ إلى الوراء |